كما أن للجمال حضوراً, وللطبيعة إشراقة، ثمة للشاعر بريق وزهو في لغته وصورته فما يسمى بـ(الكاريزما).. بالنظر الفاحص للشاعر الكبير الأستاذ/ جاسم الصحيح هو ما يليق به (الشاعر الكاريزمي)..
عرفته من خلال ديوانه (أعشاش الملائكة.. «خميرة الغضب سابقاً»). ثم توالت إلي دواوينه تباعاً مثل; ظلي خليفتي عليكم, ما وراء حنجرة المغني, وألنا له القصيد, وحمائم تكنس العتمة وغيرها من أعماله الشعرية الكاملة..
فهو متكلم شاعر, وشاعر متكلم يبتكر البلاغة من صفوف اللغة المحتملة, صانع للجمال من ركام المعاني وناحت الصورة الشعرية في إبداعات معجونة ليخرج من كل هذا وذاك بـ(فسيفساء من الدهشة).. والدهشة هي الابن الشرعي للشعر وليس للفلسفة كما يقال.
فلسفته الشعرية هي تحد في عمق اللغة، غائص في ثناياها، وكأن اللغة هي مسكنه الوجودي كما يقول(هايدجر)..
شاعر ترجل عن صهوة اللغة الكلاسيكية والصورة النمطية ليحلق بأجنحة متعددة ممسكاً بمناطيد (المتنبي والبحتري وأبي تمام) شعراً وحضوراً وبـ(المعري) فلسفة وبـ(بالنفري والحلاج) تصوفاً وتأملاً. في سمائه الشعرية.. فالصحيح هو عجيبة الشعر في لغته وإبداعه، كما أنه خالق للشعر لا محتذياً ولا مكملاً لغيره..
في رحاب شعره تموت العزلة, وتكشف اللغة عن ساق.. فاللغة الشعرية عند (الصحيح) في تجدد دائم كاختلاف الليل والنهار.
فهو ذات قدرة على إشعال الحرائق في قافية القصيد.
كيف لا? وهو المحيط بالخرائط الشعرية.
فالشاعرية الحية عنده لا تشبع من الإبداع, ولا يمتلئ كوزها مهما طفحت بالجمال.
فالشعر عند الصحيح ليس من مكملات القصيد, فلغته كاملة المعنى والصورة فهي كجدارية محمود درويش ومن قصيدة له في حضرة (المتنبي) قوله:
سارٍ .. يُفَتِّشُ بعْضُهُ عن كُلِّهِ
ويلُمُّ ما تُوحي نبوءةُ لَيْلِهِ
مُتَبَتِّلاً للنفْسِ منطلقاً بهِا
يجلو صبابةَ عاشقٍ مُتَأَلِّهِ
لاحَتْ لهُ نارٌ فقال لنفسِهِ
ما قالَهُ (موسى الكليمُ) لأَهْلِهِ
ومشىَ إلى النار/ النبوءةِ حافياً
لتَشُبَّ نارُ الانتظارِ بنَعْلِهِ
فمضَى على طُرُقِ المتاهةِ.. لا تَرَى
غيرَ القوافي يضطربنَ برَحْلِهِ
ساهٍ كما يسهو الخليلُ إذا صَحَتْ
إشراقةُ الذكرَى فحَنَّ لخِلِّهِ
**
من قلبِ محفظةِ النخيلِ تَوَهَّجَتْ
عيناهُ : عنوانُ (العراقِ) ونَخْلِهِ
وكساَ مصائرَهُ السَّوادُ كأنَّما
تلك المصائرُ حفنةٌ من كُحْلِهِ
غَزَلَ الرحيلَ وأَلْبَسَ البَرَّ الخُطَى
فسَرَتْ خُطاَهُ وما غَدَرْنَ بِغَزْلِهِ
في غربةٍ هُوَ والحصانُ.. فطالما
شَعَرَ الحصانُ بغربةٍ في تَلِّهِ
صَحَتِ الرِّمالُ على انقلابٍ أسمرٍ
تَتَحَدَّثُ الفصحَى حماحمُ خَيْلِهِ
لَمَحَتْ بهِ الصحراءُ هيأةَ فارسٍ
عَبَرَ الجحيمَ وجاءَها من هَوْلِهِ
ينقادُ في ظِلِّ الملوكِ.. وحينما
دَنَتِ الحقيقةُ قادَهُمْ في ظِلِّهِ
جمَحَتْ قصائدُهُ.. وكلُّ قصيدةٍ
تستنفرُ التاريخَ من إِسْطَبْلِهِ
في هيبةِ الإعصارِ.. سَلَّ على المدَى
سيفَ الهبوبِ وشَقَّ مِعْدَةَ رَمْلِهِ
ما انفكَّ يقتحمُ الزمانَ وكلَّما
مَدَّ الخُطَى رَكَلَ السنينَ بِرِجْلِهِ
شبحٌ بشريانِ الخلودِ مسافرٌ
أبداً يُقصِّرُ من مسافةِ جَهْلِهِ
هُوَ كالمدارِ حكايةٌ لا تنتهي
والفصلُ فيها لا يعودُ لأَصْلِهِ
**
حقا لان له القصيد...!!!
** **
- محمد الشقاق