د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** مثَّل لنا الصيفُ - أيام الصبا وأول الشباب - ملتقىً نادرًا؛ فلم نكن نعرفُ السفرَ الخارجيَّ وقتها كما عرفناه بعدها، وأجملُ ما فيه لقاءاتُنا المكثفةُ بأصدقائنا القادمين إلى عُنيزة من خارجِها، وطابت لنا آنذاك جلساتُ « القيلولة « تحت خمائل العنب وقرب سواقي الماء، ومساءات « المِنخاب والقويِّم والخُبيِّبة وقاع غَرِي والغزيلية والعُمرية»، وربما جمعنا ببعضهم المركز الصيفيّ الممتدة أنشطتُه خمسين يومًا، مكونةً ثراءً معرفيًا واجتماعيًا أثَّر تكوينًا مثلما أثار ذكريات، وإذ تنصرمُ أيامُه سريعًا ويحين وقتُ العودة للدراسة تطلُّ كلمات أغنية ذائعةٍ نستعيدُ معها وجعَ الافتراق:
(حان وقت السفرْ والعينْ عيَّت تنام)
** لا يذكر قائلَها ولا مغنيَها؛ فالأهمُّ هنا نَفَسُ البراءةِ في توظيفِها؛ فلم يعنِهِ أنْ كانت أغنيةَ غزلٍ راقصةً مع أن الحزنَ يفترضُ الوجوم، وكم عناه واسطةُ عقد تلك اللقاءات صديق العمر حمد بن عبدالعزيز العبيدالله، ولحميميةِ العلاقة بيننا حتى اليوم فقد أخذ من صاحبكم موثقًا ألَّا يزور عنيزة ولو ساعاتٍ دون أن يُبلغَه.
** في تلك الأثناء تعرف على أحد شباب عنيزة من قاطني الرياض، وتوثق التواصلُ به حتى اللحظة، ولا يكادُ يمرُّ أسبوعٌ دون أن يلتقيا في دورياتٍ مشتركةٍ أو في مجلسه الشهريِّ، وهو متعددٌ متفرد؛ فبالرغم من تخصصه العلمي الدقيق في الكيمياء، إلا أنه مثقفٌ متابع، ومرجعٌ في سير الشخصيات، فوق كونه أستاذَا في كلية العلوم بجامعة الملك سعود، ومشرفًا سابقًا على أقسام العلوم والدراسات الطبية للطالبات عشرة أعوام، كما هو عضوٌ نشطٌ في عدد من مجالس الجامعات الحكومية والأهلية.
** هذا بعضُه، أما معرفته بالشعر العامي ورواته وحكاياته فزاويةٌ أخرى، ولا غرابة فهو ابن الراوية الثبت الثقة إبراهيم بن محمد الواصل رحمه الله 1917 - 2003م، وشقيقُ أستاذنا محمد بن إبراهيم الواصل الذي شغل مراكز قياديةً في العمل الحكومي، وما يزال مرجعًا دقيقًا في تأريخ الإدارة السعودية، ولو كتب سيرته لكانتْ من أبرز مؤلفاتِ الإدارة السِّيرية، وحين أعدّ صاحبكم صفحتي (واجهة ومواجهة) بين عامي 2000 2003-م كان «أبو أحمد» أحدَ أهمِّ قارئي شخوص المواجَهين والمعقّبين على حواراتهم.
** الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم الواصل حفيٌ بالأقربين والأبعدين، وقد نذر نفسَه لخدمة الآخرين، وبتنسيقه رتبنا لقاءاتٍ خاصةً مع أستاذنا الراحل الدكتور راشد المبارك غفر الله له خارج أحديّته، كما كنا نزور الدكتور منصور التركي رحمه الله في جلساتٍ لا يحضرُها سوانا، وكذا مع غيرهما، ولا يكادُ يمرُّ ذكرُ والده في مناسبةٍ تُروى فيه حكاية أو يُستشهد بقصيدةٍ أو شخصية تراثية من غير أن يبادر بلازمته المعهودة: «الوالد الله يرحمه كان يقول «...»، والذي نتمناه أن نرى أَسفار «أبي محمد» الموثقةَ للشعر العاميِّ وشعرائه وقصصه في متناول المعنيين والباحثين؛ فرواياتُ العمَ إبراهيم الواصل ليست كبقية الروايات.
** القِيمُ لا تُدّعى.