الهادي التليلي
الصراع الراهن بين المعسكرين الشرقي والغربي أو ما يعبر عنه بالحرب الباردة يعد من المسائل المضحكات المبكيات حيث إن كلا المعسكرين لا يرغب في اندلاع شرارة حرب ولكن كلاً منها يسير إليها شاء أم أبى بفعل الاستفزاز المتبادل وهو ما يجعل من مسألة الحرب العالمية الثالثة حدثاً يمكن أن ينتقل في وجوده من الوجود بالقوة أي الوجود الممكن كأن أقول تفاحة وهذا يعني أنني افترضت وجود الشجرة إلى الوجود بالفعل أي نشوء الحرب في الواقع.
ولو نعود إلى تنسيب الأشياء وتسميتها بمسمياتها نجد أننا إزاء معسكر غربي تقوده أمريكا وأوروبا الليبرالية أو ما يطلق عليها أوروبا الغربية مع جزر متناثرة هنا وهناك بحكم الانتماء إلى نفس التوجه الاقتصادي وهي تسمية درجت بعد الحرب العالمية الثانية في مقابل المعسكر الشرقي الذي يتزعمه سابقاً الاتحاد السوفييتي وحالياً روسيا سليلتها ويضم المعسكر أرخبيلاً من الدول ذات التوجه الأيديولوجي الاشتراكي شهد زعزعة خلال نهاية الحرب الباردة التي توهم العالم أنها انتهت بسقوط جدار برلين وظهور البروسترايكا مع غورباتشوف لأن الحرب الباردة بقيت مستعرة ومنتعلة لأحذية متعددة وبقيت تنظر فتيلاً يوقد نار الخلاف.
وبقي الأمل في نهاية هذه الحقبة خاصة مع صعود ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الذي حاول قصارى جهده تجاوز الحرب الباردة بمقولة التكامل الاقتصادي العالمي مزيحاً القناع عن السبب الحقيقي للخلاف بين المعسكرين الذي هو في الحقيقة خلاف حول المصالح الاقتصادية والنفوذ التوسعي في كامل أرجاء المعمورة فالتواجد في سوريا والعراق وليبيا وغيرها سببه العميق والجوهري أن هذه البلدان تحوي مخزوناً نفطياً يستحق تدخل هذه البلدان بقطع النظر عن الأقنعة الإنسانية والأيديولوجية وحتى محاربة الإرهاب.
ومع خروج الجمهوريين من الحكم والبقاء كمعارض شريك في السلطة في الولايات المتحدة ونعني هنا صعود الديمقراطيين الذين يرون في روسيا لا مجرد طرف مقابل في الحرب الباردة وإنما مساند لخصمهم في الشأن الداخلي الأمريكي وهو ما جعل جو بايدن يصرح علانية بنواياه تجاه فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الذي أعاد بلده إلى سدة النفوذ العالمي وقد كان بايدن يعول على تشكيل جبهة تضم الصين التي بدأت تخلع الجلباب الاشتراكي في منظومتها الاقتصادية وتتحول إلى أكبر قوة تجارية في العالم وبالإضافة إليها طبعاً أوروبا الغربية كنصير للولايات المتحدة في حوارها الجديد ضد روسيا وهو ما لم يحقق من ناحية لنجاح بوتين في استقطابها وثانيا لأن الصين لم تنس اتهام أمريكا لها بكونها مسببة جائحة كورونا فتغيرت كارتوغرافية المشهد وصات الصين وروسيا ومعهما الدولة التي تثار حولها العديد من الأسئلة لرعايتها للإرهاب وما تسببه من قلاقل في منطقة الشرق الأوسط ونعني بها طبعاً إيران.
في هذه الوضعية وجدت روسيا متعة في تحريك المسألة الأوكرانية وهي الجارة التي تحللت من الاتحاد السوفييتي السابق وارتمت بين أحضان المعسكر الغربي بحكم موقعها في التماس بين المعسكرين تأجج السؤال الأوكراني كان سبباً رئيسياً في عقد قمة بين زعيمي روسيا وأمريكا للتهدئة ومع فتح واجهة أخرى هذه المرة في مرمى روسيا ونعني حليفتها وابنتها المنشقة التي بقيت وفية للكرملين بقلاقل هرع على إثرها الروس للتدخل المباشر حماية للنظام القائم والرد على الرسالة الغربية بالتصعيد على حدود أوكرانيا مما ينذر بغزو في كل وقت وأوان وتبادل الاستفزاز بفزاعات الحرب قد يوقع الأطراف فعلاً فيها والحرب العالمية الثالثة سوف تكون أشد قسوة لأن الأسلحة الفتاكة الموجودة في كلا المعسكرين كفيلة بتدمير الأرض ست مرات على الأقل ومن ثم لن تكون هناك حرب عالمية رابعة وكل الأطراف تعي هذا وتعلم أنه ليس من صالحها اندلاع الحرب حتى وإن كانت تضمن النصر فيها.
الحرب الباردة هي كذبة كبرى لأن القطبين يشتركان في اقتسام الغنيمة الكونية ويتبادلان الأدوار في كل محاور الحروب في العالم وربما لإرضاء أوروبا وللاستفادة من خيرات أوكرانيا يعزف الجميع معزوفة الحرب عزفاً هادئاً في الواقع وهادراً في وسائل الإعلام وفي خاتمة المطاف سيكون كما كان في كل مرة بين القطبين الشرقي والغربي تبادل أدوار وتقاسم غنيمة وتنشيط مسرح العالم بفيلم هوليودي وروسي مشترك يستفيدان منه أيما استفادة لأن الحرب الباردة في المشهد المعاصر مجرد تنافس على الغنيمة.