د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الاقتصاد أحد عوامل استقرار الدول، وكان عبر التاريخ مثار صراع بين الحكومات والمجموعات، ويلعب دوراً كبيراً في كيفية التعامل البشري، والتأثير على أخلاقياته، وصنع مجتمعات قادرة على تكوين نواة تجعله أكثر استقراراً وتمدناً، والإنسان منذ أن بدأ يهذب الحجارة لكي يستفيد منها في الصيد أو الدفاع عن النفس، حتى وقتنا الحاضر، بما فيه من تقدم يفوق الوصف، يستفيد من المواد الخام المتاحة، لكن سلسلة الإمدادات اليوم تحتاج إلى دراية وإدارة فائقة، واستراتيجية طويلة المدى، ولا بد أن يكون هناك توافق بين سرعة النمو، وكفاءة الإمدادات، وتوفر المواد الخام الكافية.
البشر أصبحوا أكثر عدداً، وأوسع طموحاً، وأعلى ترفاً، وهذا كله يحتاج إلى سلسلة إمدادات متسارعة، وأيضاً مواد خام تكفي لسد حاجته التي أصبحت تتزايد مع الوقت، وهو بطبعه يريد المزيد، ولا يتوقف عند حد، واستطاع الرفع من كمية ونوعية غذائه، ولم يعد الغذاء قرصاً من الخبز أو الشعير، أو كمية محدودة من الأرز، وقليل من الزيت، فقد أصبح أبعد بكثير، سواء من حيث الكمية أو النوعية. ومجال الزراعة والغذاء ما زال التوسع فيه ممكناً بسبب التطور الكبير في إنتاج البذور والأسمدة، ورفع كفاءة الإنتاج من خلال المعدات، ومعرفة الأمراض، وأساليب العلاج، لهذا فإن الإمدادات الغذائية قد لا تكون في المدى القصير والمتوسط مشكلة بشرية غير أنها مشكلة في مجال التوزيع بين بني البشر.
سلسلة الإمدادات في مجال الخدمات، والمجال الصناعي، تواجه مشاكل كبيرة، بسبب الانتقال في المجال الصناعي من طريقه إلى أخرى، وأيضاً الطلب على المنتجات الصناعية والخدمات، لهذا كان لزاماً على المخطط والاقتصادي والسياسي، أن ينظر البصير لكي لا يفاجأ بصعوبة ما في مجال من مجالات السلسلة الإنتاجية لسلعة معينة، يحتاج لها الإنسان أو الصناعة، وهناك سباق مع الزمن بين تلبية حاجة السوق، والمصنع، وأيضاً توفر المادة الخام، اللازمة لإنتاج معين، وهذا السباق والصراع سيستمر مدة طويلة حتى يستقر الأمر عند نقطة توازن معينة، وعلينا ألا ننسى أن الله سبحانه وتعالى قد منح الإنسان عقلاً يفكر به، ويبحث من خلاله عن قوانين طبيعية يمكن أن يستفيد منها في حياته المعيشية، وقد حدث ذلك من قبل مثل اكتشاف القوانين الفيزيائي، والكهرباء، وتحويل الطاقة، وغيرها.
سنقف قليلاً لنتحدث في هذه العجالة عن التقنية، لأنها تواجه اليوم مشكلة نقص في سلسلة الإمدادات، وربما يكون في المستقبل نقص في المواد الخام اللازمة للدفع بهذه التقنية إلى الأمام ليستفيد الإنسان منها في حياته اليومية وصحته وتوافقه مع بيئته، لا سيما أنها أصبحت بحق تلعب دوراً كبيراً في عيشتنا والمحافظة على بيئتنا، فلا تخلو صناعة أو خدمة أو زراعة من الاعتماد على التقنية، لأنها تيسر الكثير من الخدمات وتزيد من نوعها، والرفع من كفاءة الإنتاج.
في الأيام القليلة الماضية خرجت نتائج بعض الشركات ذات الباع الكبير في مجال التقنية، سواء تلك المتعلقة بالخدمات، أو تلك المتعلقة بالصناعة، وأظهرت نتائجها ارتفاعاً في أرباحها، وتوسعها وأيضاً قدرتها على طرح منتجات جديدة تسهل الخدمات وترفع من كفاءة الإنتاج، لكنها بحذر شديد أصبحت تضع عينها على سلسلة الإمدادات، وما يمكن أن تعانيه في المستقبل القريب والبعيد.
شركة Apple العملاقة أظهرت نتائجها في الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً كبيراً في المبيعات، وفي الأرباح، وأيضاً نظرة مستقبلية إيجابية، ويمكن لها أن تحقق المزيد في العام الحالي، بعد أن حققت رقماً قياسياً في العام الذي مضى، ومثلها كانت شركة Microsoft العملاقة وكلتا الشركتين أظهرت نتائج باهرة، لكنها لم تشتكِ بشكل ظاهر من مشكلة في سلسلة الإمدادات، وربما تعاني من ذلك في المستقبل الذي قد لا يكون بعيداً، ولهذا ارتفعت أسعارها في السوق بشكل لافت وربما تستمر في ذلك.
شركة تسلا العملاقة في مجال السيارات الكهربائية والرائدة في ذلك، أظهرت أيضاً نتائج وأرباحاً تفوق التوقعات، لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى أن هناك مساحة من الإنتاج لم تستغل بسبب نقص سلسلة الإمدادات، وهذا بلا شك أثر على سعرها في السوق، وأيضاً أثر على سعر مثيلاتها من الشركات المطروحة، شركة أخرى رائدة في مجال التقنية، أظهرت نتائج مخيبة للآمال مع أنها من الشركات القلائل التي تنتج الرقائق الخلوية التي تعتبر إحدى مشاكل سلسلة الإمدادات، لاسيما الخاصة في السيارات، لكنها لم تكن على قدر كاف من تحقيق ما تصبو إليه في مجال الحاسوب الذي يعتبر مجالها الأوسع.
سنقف عند هذا الحد لنتحدث عن هذا المجال في مقال آخر.