نحتفي مع الوطن بيوم التأسيس، الذي تأسست فيه الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بتوليه الحكم عام 1139هـ / 1727م، نحتفي مع الوطن الذي سكنه أجدادنا من قبلنا، وسيبقى -بإذن الله- لأجيالنا.
يحمل الاحتفاء بتأسيس الدولة السعودية الأولى احتفاء بالعديد من القيم التي شكَّلت الوطن وأهله، وهي القيم التي تستحق أن تبقى حاضرة في أذهان الشباب، والأجيال القادمة. فقد تأسست الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، ومثل عهده الطويل الذي امتد أربعين عاماً متواصلة (1139 - 1179هـ/ 1727 - 1765م) الأساس الذي بقي راسخًا، ممتدًا منذ ثلاثة قرون حتى اليوم. ولم تؤسس الدولة على عصبية محلية، أو قبلية، وإنما تأسست على قيم ومبادئ سامية أصيلة، زرعت في القلوب قبل الأرض.
أولى هذه القيم هي الإيمان بالله تعالى وحده، والاعتصام به، وتحقيق التوحيد الخاص، ونشر العلم الشرعي، وإتاحته للناس، وحثهم على طلبه، وتيسير أسباب الحصول عليه، فكان هذا بمثابة التنوير الذي عاشته البلاد وأهلها، وهو السمة التي ظلت ملازمة للدولة السعودية في جميع أطوارها حتى اليوم، ولله الحمد.
تحققت الوحدة السياسية بعد تفتت دام لقرون، وهذا العمل لم يكن بالأمر السهل، فالبلدات والمدن والقبائل التي عاشت ضمن حدود مصالح ضيقة اعتادت حياة الانقسام، والتنافس السياسي، والعداء الذي يثور لأبسط الأسباب، ولم يكن من السهل إقناعها باستبدال هذا الوضع بوضع آخر تنضوي فيه الكيانات المتفرقة تحت سيادة دولة واحدة ترعى مصالح الجميع، ومن اللافت أن هذه الوحدة حين تحققت أصبحت هي الخيار الوحيد، والقيمة العليا التي نعم الجميع في ظلها بالأمن والسلام والازدهار، وبالقوة والمهابة أمام الأعداء.
نتج عن الوحدة السياسية القائمة على مبادئ الإسلام الصافية أن تشكلت هوية وطنية جامعة، ربطت بين كافة أفراد المجتمع من جهة، ووثقت الصلة بين أولي الأمر والمجتمع من جهة أخرى، فأصبح كيانًا واحدًا متماسكًا، بمصالح واحدة، ومصير واحد، ومنذ تأسيس الدولة السعودية إلى اليوم وهذه الهوية في حالٍ من القوة والحيوية والصمود أمام المهددات والأخطار.
هذه القيم الأصيلة وغيرها من الدروس التي زامنت مرحلة التأسيس، واستمرت حتى اليوم في ظل دولتنا، حماها الله، من المهم أن تبقى حاضرة في أذهان الأجيال، ليكونوا على وعي بالأسس التي شكّلت تاريخهم، وليدركوا مكانة بلادهم، ومكامن قوتها، ليتمكنوا من الحفاظ عليها قوية ومزدهرة.
** **
أ.د. مها بنت علي آل خشيل - أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر - جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن