م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. تداولت النُخب والعامة موضوع الهوية والوطنية.. وأفتى كلٌّ منهم بخصوصها من وجهة نظره أو هواه.. وكلٌّ سحب معناها تجاه ما يرضي رغباته أو يناسب مصالحه أو يتفق مع فهمه.
2. مصطلح الوطنية اشتق من الوطن.. أي ذلك الجزء الجغرافي ذو الحدود السياسية المعروفة.. وهي في ذهن البعض تتجاوز ذلك إلى حدود أوسع.. فالعروبي يرى أن حدود الوطنية من الخليج إلى المحيط.. والإسلامي يراها تتجاوز كل ذلك وتصل إلى جميع بلاد المسلمين.. والشعوبي والعنصري يريان الوطنية في نطاق أضيق وأصغر.. فهي لا تتجاوز في نظرهما حدود القرية ومناطق الأهل والعشيرة.. أما الأناني فالوطنية عنده لا تتجاوز حدود نفسه.. أما دعاة العولمة فهؤلاء يرون الوطنية بمنظار عالمي.. فالوطن عندهم هو الكرة الأرضية.. والمواطن عالمي.
3. مصطلح الهوية الوطنية اشتق في اللغات الغربية (اللاتينية، والجرمانية، واليونانية) من الذات.. أي «الأنا».. واشتق في اللغة العربية من كلمة (هُو) أي الآخر.. للذين يلفظونها بضم الهاء.. أو «الهوية» بفتح الهاء.. وهؤلاء ربما يقصدون «المهوى» أي المآل والمنتهى.. الهوية الوطنية تأرجحت بين من وسّع مضمونها حتى مزقها ومن ضَيَّقها حتى خنقها.
4. ورد مصطلح «الهوية الثقافية» في أدبيات مفكري النهضة في مطلع القرن العشرين بمعنيين ووجهين متضادين.. فهو من جهة يعني صدُّ الاستعمار.. ومن جهة أخرى يعني الاستفادة من تلك الحضارة القادمة من الغرب والتماهي معها.. أما المعنى العام للهوية هذه الأيام فهو الخوف من الذوبان في حضارة الغرب.. ولا يتم ذلك إلا بمعاداته ورفضه.. أي أنها كانت أداة للدخول إلى العصر في مطلع القرن العشرين.. ثم صارت أداة للخروج من العصر في مطلع القرن الحادي والعشرين.. بكل ما تعنيه من معاداة للحداثة.
5. في موضوع الهوية الوطنية نجد أن الشعوب الضعيفة والمنكسرة هي الأعلى صوتاً والأشرس منافحةً عن هويتها.. ونجد الغرب القوي أخفض صوتاً وألين موقفاً.. بل إنهم يدعون إلى تنوّع هوية مواطنيهم ومجتمعاتهم.. ويرون في ذلك فائدة.. أيضاً هناك شعوب عريقة في تاريخها وحضارتها لا تشكِّل لها الهوية أمراً مزعجاً كالهنود والصينيين.. ففي الهند آلاف الطوائف التي تتكلم آلاف اللغات.. وكل طائفة منها مرتبطة برعاياها في أسمائهم وشكل ملبسهم ناهيك عن عاداتهم وتقاليدهم وطقوس عباداتهم.. ولم تحاول الحكومات الهندية المتعاقبة فرض هوية واحدة، بل تركت لكلٍّ أن يشكل هويته كما يرى.. وتركت لكل فرد الحرية في أن يشكل مظهره كما يريد في ملبسه ومظهره الخارجي.. أما في الصين فلم تظهر بطاقات الهوية إلا في أواخر الثمانينيات.. ورغم الاتباع المظهري لأيديولوجيا الشيوعية إلا أن الحكومة الصينية التزمت بالمقياس الإنتاجي المادي.. فهم خُمْس سكان العالم وهذا يستدعي وجود عجلة عمل دائمة الحركة والإنتاج.. وهذا جعلها أحد أهم محركات اقتصاد العولمة.. وستكون في المستقبل المنظور قائده الأول.. لذلك قضية الهوية إشكالية ليست في حسبان المجتمع الصيني.
6. المواطن العربي كما يبدو حسم أمر مصطلح الوطنية في مفهومه وحصرها في حدود وطنه الذي يحمل جنسيته.. ومسح مفهوم الوطنية الذي يدعو إليه القوميون العرب.. فقد ثبت لدى المواطن العربي أن فكرة القومية فكرة غير صائبة.. لكن المواطن العربي لم يحسم بعد قضية الهوية.. وان كانت تبدو لكثيرين أنها قاربت على الحسم.