إن يوم التأسيس هو مناسبة جديدة، يَستدعي من خلالها المواطن الذاكرة الوطنية، ويقف على العمق التاريخي لتاريخ المملكة العربية السعودية، إذ هو يوم الانطلاقة لبداية تاريخ الدولة السعودية الذي بدأ في منتصف عام 1139هـ على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، وليس عام 1157هـ كما قال به معظم المؤرِّخين، القدماء منهم والمعاصرين على حد سواء.
أما الحالة السياسية قبل حكم الإمام محمد بن سعود، فإن جل المصادر المحلية والمعاصرة، تذكر أن نجدًا كانت مضطربة في جميع نواحيها، مفككة الأوصال، لا توجد رابطة تجمع أقاليمها، زعماؤها مختلفو الكلمة، متباينو النزعات، وتجد أن عدم الاستقرار هو السمة الغالبة في المنطقة، إذ كان على رأس كل بلدة زعيم مستقل.
وفي ضوء تلك الاضطرابات، كان الإمام محمد بن سعود وما اتصف به من صفات القيادة والحنكة السياسية، يراقب الأوضاع السياسية المحيطة به، وبعد تجربة سياسية اكتسبها من والده الأمير سعود بن محمد، أدرك أن الضرورة قد آن أوانها بقيام مشروع الدولة، وقد مرت جهوده نحو تأسيس الدولة بمرحلتين، وتمثّلت إنجازات الإمام محمد بن سعود في توحيد الدرعية والاستقرار السياسي، مقارنة مع بقية المدن النجدية التي شهدت اضطرابات سياسية وتعرضت لغزوات خارجية سواء من داخل نجد أو خارجها.
كما أن من إنجازاته الاستقلال السياسي، إذ تمتعت الدرعية باستقلال تام ولم تخضع لأي قوة خارجية مقارنة بغيرها من بعض المدن النجدية، إضافة إلى تعزيز الإمام محمد لقوة الدرعية العسكرية، وتعزيز مواردها المالية، وتقوية مجتمعها وتوحيد أفراده في سلطة سياسية كان على رأسها. كما قام الإمام محمد ببناء علاقات ودية مع المدن المحيطة والحفاظ على استقرارها السياسي، ولعل خير مثال على ذلك، عندما ساعد على استقرار الرياض ودعم حاكمها الأمير دهام بن دواس بقوة عسكرية بقيادة الأمير مشاري بن سعود. كما شهدت هذه المرحلة إنشاء الإمام محمد لحي جديد في سمحان وهو حي الطرفية بعد أن كانت غصيبة مقرًا لحكمه ولفترة من الزمن. كما أن من إنجازات الإمام مناصرته للدعوة الإصلاحية، والبدء في توحيد البلاد، حيث قام بقيادة الجيوش وأسند القيادة بعد ذلك لابنه الإمام عبدالعزيز، واستطاع توحيد أغلب المناطق النجدية، وارتكزت سياسته على الحكمة والصبر والتأمل والرؤية المستقبلية في ضم تلك المناطق، وهذا عائد لقراءته للمشهد السياسي؛ ففكرة الاستقلال الذاتي ورفض مفهوم الدولة الواحدة كان مسيطرًا في ذهنية الكثير من الزعماء المحليين، وبسبب هذه النزعة الاستقلالية الذاتية، لم يكن من المستغرب أن يوصي الإمام محمد ابنه الإمام عبدالعزيز بضرورة اتخاذ سياسة الحكمة في توحيد مناطق الجزيرة العربية، وهذا ما حدث فعلاً في عهده وما بعد وفاته، حيث استغرق ضم بعض البلدان سنوات طويلة، وظهرت جليًا نتائج سياسته الحكيمة على عهد حفيده الإمام سعود، عندما بلغت الدولة السعودية أوج اتساع لها عبر تاريخ الجزيرة العربية.
إضافة إلى اتساع الدولة واحتواء الزعامات المحلية وانتشار أخبارها خارج الجزيرة العربية، فإن الإمام محمد استطاع الحفاظ على ما قام به من إنجازات تمثَّلت في تعزيز القوة العسكرية للدولة وحماية مكتسباتها الجديدة، كبناء سور الدرعية ومواجهة الأخطار الني أرادت النيل من الدولة في عامي 1172هـ و1178هـ، وكذلك القدرة على حماية طرق قوافل الحج والتجارة، مما أدى إلى قيام حالة استقرار سياسي واقتصادي في المناطق التي سيطر عليها الإمام محمد في وسط نجد. كما أن من أعمال الإمام محمد في هذه المرحلة قيام إرهاصات التنظيمات الإدارية والقضائية والمالية، كتعيين أمراء المناطق والقضاة والدعاة ورجال الحسبة وإحياء نظام الحسبة واستبدال الإتاوة بالزكاة.
** **
د. خالد بن عبدالله الكريري - قسم التاريخ - جامعة الملك عبدالعزيز