د. منى بنت علي الحمود
ما زلت حتى اللحظة أشنف أذني لفنان العرب الذي تألق بالأمس في حفل توزيع جوائز صنَّاع الترفيه بأغنيته المعتقة «أبعاد» لتسحبني مخيلتي سريعاً إلى «المسافة» و»الأماكن» وتحط رحالها عند «أنت معاي، وإلا أنت ناوي تبتعد عن خط سيري». يبدو لي أن موضوع المسافة والبعد والقرب والمعية قد أشغلت صاحب الأوتار الذهبية ردحاً من الزمن، وتحديداً في هذه الأبيات، حيث رُبطت «المعية» بنقيضها «البعد» بمعنى إن لم تك «معي» فأنت «بعيد» بلا شك.
وقفت متأملة حقاً.. ماذا لو كانت «عندي» بدلاً عن «معاي» فهل ستتحقق معادلة البعد نفسها أم لا؟! كحد ثابت في المعادلتين هل أنت «معاي»؟ أم «عندي»؟، كلمتان بينهما ما هو أدق من الشعرة، ولكنه أحد من السيف! عندما أكون معك فسأكون عندك.. لكن العكس ليس كذلك البتة! بمعنى قد أكون عندك ولكني ضدك، أو على أقل تقدير لن أكون «معك».
سيتفتق حرفي عمَّا بداخلي الآن..وتعرب كلماتي عمَّا نشهده في كثير من مقرات العمل ليطرح السؤال ذاته بذاته في أروقتها!.. هل أنا مع رئيسي أم عنده؟!.. سؤال مقلق للغاية! ويحق لنا أن نفنده ونسبر غور أبعاده.. فهناك بون شاسع يتعدى حدود اللغة واللهجة والمسافات عندما تعيش المنظمات في ضوء ثقافة «أنا أعمل عند رئيسي» وثقافة «أنا أعمل مع رئيسي»؛ فالأخيرة تنطوي على المشاركة ومؤداها الامتزاج والتعايش الخلاق والتنوع..
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. سيتجاذبنا الاختلاف يمنة ويسرة حتى نرسو على ضفاف النجاح معاً؛ فكما قيل «لو اتفق الرئيس والمرؤوس في كل شيء فمن الأجدر أن يبقى أحدهما فقط»، ولا أخفيك سرًا بأنه كلما زاد اختلافنا زاد نجاحنا وتميزنا عن غيرنا فما خُلقنا إلا للاختلاف.. ستكون مؤسستنا لعبة تركيب (بزل) وليست لعبة البحث عن المتشابهات!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. سيكون لي خارطتي الجغرافية الشخصية.. والتي يحمي حدودها جيش من الاحترام الإنساني والذاتي والأخلاقي.. لن يُشرعوا لك اقتحام خصوصيتي والدخول إلى أقصى قلاعها، وسيمنعونك من الوقوف على أدق تفاصيلي.. بحجة أنك الرئيس وأنا المرؤوس وأنت من يملك زمام التنظيمات الإدارية لمؤسستنا والتي تسميها في كثير من الأحيان «مؤسستي» حتى وإن كانت من مؤسسات المجتمع العامة!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. ستتدفق أفكارنا بأمان وسخاء لصالح مؤسستنا فحسب، ولن تضطر إلى أن تطير بأي فكرة يطرحها أحد «موظفيك!» وكأنها لك، فتظهر بمظهر طائر مقصوص الجناح يترنح بين صدى كلماتي وظل أفكاري!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. سأكون ممثلاً لمؤسستنا في كل مكان أكون فيه بعيداً عنك!.. لن أكلفك عناء غسل بدلتك لترتديها في كل لقاء، وسيرتدي كل منا بدلته في المربع الأنسب له ولشخصيته ومؤهلاته وخبرته!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. سأعيش مع طاقم مؤسستنا تحت لواء الاحترام والمسؤولية، وليس تحت لواء الحب أو التبعية؛ فسأكون يداً تحفك أن تقع في فخ «الولاء قبل الأداء»!.. فكم وقع فيه غيرك وتنكر أولياءهم لهم.. بل والأدهى أن بقيت المؤسسة بدون «الأداء»!.. وبدأ العداد يحسب المنجزات من بداية عمل الرئيس الذي بعدك!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. ستكون تلك الورقة التي بيننا.. والتي يسمونها بطاقة التقييم..كرتاً رابحاً للمؤسسة لن نقامر عليها.. تسعى من خلالها أنت إلى تطويري والإفادة من خبراتي والنظر إلى نواحي القصور على أنها مشكلة حقيقية وأنا شريك في حلها معك..لن تكون كرتاً لتفريغ غضبك.. أو للتعبير عن حبك.. أو أن تكون أداة للنيل مني من الخلف!
رئيسي العزيز.. عندما أكون «معك».. سأترك مؤسستنا يوماً ما.. وأنا محفوظ الكرامة. والشخصية، والخصوصية، والأفكار! وسأنقلك معي إن أصبحت رئيساً لمؤسسة أخرى؛ فستكون رئيساً بروحك وإن بعد عنا جسدك، وقد يكون الرحيل بعيداً أما لي وإما لك، وهنا لن يبقى سوى إنجازاتنا لمؤسستنا، والتي سأفتخر فيها «معك» حتى وإن لم أكن «عندك»!