عطية محمد عطية عقيلان
العالم الفذ عباس بن فرناس، عاش في القرن 800 ميلادي، ولقب بـ»حكيم الأندلس»، كان مهتماً بالفلك والرياضيات والطب والصيدلة والكيمياء والصيدلة والشعر والموسيقى، يعتبر موسوعة متنقلة للعالم المفكر والموهبة المتفردة، اهتم بالأدوات والفك والتركيب، وله السبق في بعض الاختراعات والاكتشافات، فهو أول من اخترع القبة السماوية، حيث صنع في بيته سماء وبها الكواكب والنجوم وكيفية حركتها ومواقعها، وأول من صنع الزجاج الشفاف، والأسطرلاب الكروي، وقلم الحبر، وهي اختراعات واكتشافات خدمة البشرية وأثرت في تطورها ونموها العلمي، وكانت تعتبر ثورة علمية في وقتها، ورغم كل ذلك الإرث العلمي والاختراعات والتميز، إلا أن ذكراه، ترتبط بأذهاننا، بتجربته الفاشلة في محاولة الطيران والتي يعتبر كأول من حاول ذلك، علما أنه قام بها وبناها على دراسة ومراقبة الطيور في طيرانها، وحول ذلك بالحساب، واهتم بعدة اعتبارات للطيران منها الوزن وسرعة واتجاه الريح، وصنع «الرداء الكاسي» من أجنحة الطيور، وقفز من مكان مرتفع، واستطاع التحليق لمدة عشر دقائق، ولكنه فشل في الهبوط وتعرض لإصابة طفيفة في ظهره، مع الاعتبار أنه قام بهذه التجربة وهو بعمر السبعين، وتوفي بعمر 77 عاماً، وكانت تجربته في الطيران مفيدة ونقطة انطلاق لتجارب مماثلة حتى وصل العالم لتطور علم الطيران.
وسيرة العالم عباس بن فرناس طيلة حياته وحتى عمر77، ملهمة في استنباط الدروس وأخذ العبر، بدءا من أهمية استغلال الوقت في التفكر والتدبر والعمل، والفضول والبحث وعدم التوقف عن الشغف والتعلم مهما كان العمر، مع مراعاة قدراتنا الفكرية والمادية والصحية، وهناك أيضا جانب مهم مستفاد في سيرة ابن فرناس، وهي أن الناس بشكل عام دوما تتذكر الاخفاقات والقرارات الخاطئة التي قمت بها، بعيدا عن ذكر المحاسن والإيجابيات، وهذه مفيدة لنا وتطبيقها في عدم الحكم على الآخرين بما تسمعه من المحيطين بهم، لأن ما وصلك هو فقط عيوبه واخفاقاته، ولم تطلع على مزاياه وخدماته والتي قد تكون إضعاف عيوبه، وجلنا يتعود على خدمات من حوله ويعتبرها شيئا طبيعيا ولابد من استمرارها، وعند عدم تلبية أحد الخدمات لعدم القدرة أو الانشغال، نشعر بخيبة الأمل ونزعل ونأخذ موقفاً وقد تصل إلى القطيعة، متناسين عشرات الوقفات والخدمات والمساعدة السابقة، وهناك قصة طريفة لشخص كان يعطي مالاً كمساعدة لمحتاج، وكانت تنقص كل فترة عن المعهود، ليجد استنكارا وتساؤل منه، فأخبره المتصدق أن أولاده كبروا ودخلوا الجامعة وزادت مصاريفهم، ليباغته الشحاذ باستنكار، إن شاء الله حتعلم أولادك على حسابي؟؟!!، لتلخص أننا في كثير من الأحيان نمارس ذلك الاستنكار وبطرق مختلفة، ونعتقد أن المساعدة والمعروف والفزعة، هي حق لنا ولا بد منه مهما كانت الظروف، وقد يغيرنا موقف واحد ونتناسى مئات المواقف الداعمة والمعروف الذي قدم، ونفسره بأنه خذلان وتغير وسوء معاملة، وهذه دروس وعبر لنا، بصون العشرة لكل من حولنا وتذكر جميل صنائعهم ومواقفهم، ولنؤمن أن انكار المعروف والجميل من أسوأ الصفات وخيبات الأمل التي يتعرض لها الإنسان في حياته، يقول الفيلسوف أرسطو «نكران الجميل، أشد وقعاً من السيف»، وليس مطالب منا أن نرد الجميل لأننا قد لا نستطيع ذلك، ولكن أضعف الإيمان أن نذكر ذلك ونعطيهم حقهم في صنائع المعروف التي قدموها لنا، وتعجبني العبارة التي تقول «اكتب الاساءات التي تمرك على الرمل حتى تمحوها الرياح، ولكن أنحت المعروف الذي يقدم لك على الصخر ليبقى للأبد»، ونختم بمقولة محفزة للحث على الاستمرار في بذل المعروف وخدمة الناس، لأن فيه أجراً ورضى نفسيا وإنسانيا، لسيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه، حيث قال: «صنائع المعروف، تقي مصارع السوء».