د.فوزية أبو خالد
الكتابة على مشراق الوطن هي الكتابة عن مشتركات الخبز والملح، الكتابة عن مشتركات الكفاح اليومي والأحلام البعيدة والمحالات المحتمل تحققها بالعمل يدا بيد وبالتفكير بعقول متعددة وبضمير جمعي ووجدان شخصي وعام معا.
*****
كنت قد شرعتُ في كتابة سلسلة متقطعة من المقالات أعطيتها مسمى مشتركا حفرته من ضلوع الثقافة اليومية لمعلقة الحياة التي كانت ممتدة ومتداخلة بين الترحال الرعوي وبين الاستقرار البسيط عند مصاب الماء أو على أديم المياه الجوفية قبل تأسيس الدولة السعودية الموحدة وتشكيل المجتمع السعودي بصيغته الحالية من تلك المناطق المترامية والمتنوعة في نسيجها الاجتماعي والثقافي. فكانت «الكتابة على مشراق النساء» هي المسمى الذي كتبت به نصوصا سردية شعرية مفتوحة عن طيف من النساء المؤثرات ليس بالمعنى الإعلامي المستهلك الشائع اليوم بل المؤثرات بالمعنى اللا معتاد للكلمة وفي نفس الوقت بالمعنى البسيط والمعقد للتأثير الذي يجعل كل نص حالة إبداعية متحققة أو متخيلة، قادرة بسحر الحبر على الكشف عما في كل شخصية من أسرار جمال أولئك النساء. فكانت كلمة (المشراق) من الكلمات النادرة التي شعرتُ أنها تجمع ذلك الرمز المركب من مكوني المكان والزمان معا كما أنتجته الذاكرة الجمعية، حيث المشراق مكان للقاء وموعدا له في الوقت نفسه عند لحظة شروق الشمس. وكان من أسماء نساء ذلك المشراق المتعدد العريض أمي وعمتي طرفة ود. ثريا عبيد، د. ثريا التركي، د. فاتنة شاكر، د. خيرية السقاف د. سعاد المانع، د. دينا الجودي، د. عواطف القنيبط، ود. مشاعل البكر ود. هتون الفاسي وأخريات، وما زالت الينابيع تتسع. ومع أن المشراق لم تكن كلمة معهودة في الإشارة إلى وقت ومكان ملتقى النساء بل أظن أن (المشراق) كانت كلمة مقتصرة على ملتقى الرجال فقط في رمزيته لبدء النهار بالحوار في الشأن العام بينما كان يشار بـ»الضحوية» للقاء النساء ضحا والمقتصر عادة على «الفضفضة البيتية»، فقد سمحتُ لنفسي باختراق ذلك الاستحواذ على الفضاء العام لإخراج مفردة (المشراق) من الأحادية وإعادة تأثيثها بحضور الأنثى... وبقدرتها على المشاركة في الشؤون والشجون العامة.
غير أنني وجدتُ نفسي ودون تعمد لايجاد مشراق مواز (للكتابة على مشراق النساء) قد كتبت سلسلة من المقالات عن كتيبة من الزملاء والإخوان والأصدقاء والمعلمين والأعلام بالنسبة لي وإن لم اختر لها عنوانا مشتركا جامعا كما فعلت سابقا. وكانت تلك السلسلة من المقالات قد كتبت عن أطياف من قامات الرجال من والدي وأخوي حسن إلى العلامة الشيخ حمد الجاسر والشيخ حسن آل الشيخ، ومن عبدالله جفري لعبدالله مناع وغازي القصيبي ومن فؤاد زكريا لعبدالوهاب المسيري ومحمود درويش، ومن الشاعر علي الدميني ومحمد العلي وعبدالمقصود خوجة وأحمد عايل فقيه إلى د.عبدالله الغذامي ولا يزال النهر جاريا.
ولهذا فقد قررتُ أن أتوب عن السطو على كلمة المشراق ليس بإعادتها لتكون ملتقي للرجال فقط بل بجعلها ملكية عامة في فضاء عام يتسع للنساء وللرجال كل على حدة أو معا ولكن بشرط لازم وهو الوقوف على أرض مشتركة في حب الأرض وفي العطاء المتفاني لها وإن اختلفت كيفيات ذلك وأوجهه..
وبما أن مضمر هذا النوع من المقالات التي أفردتها وأفردها للحديث عن نساء أو رجال ربطتني وتربطني بهم «رابطة القلم» أو «رابطة العمل» أو مثلها من روابط الفكر والشعر وروابط الهوية أو المهنة وما إليهما من الروابط العملية والثقافية، هو توثيق لمحة يسرة من سيرة الأصدقاء المضيئة الحافلة وأغلبهم رموز في عوالمنا المشتركة أو المختلفة، فقد رأيت وأنا بصدد تحويلها لكتاب اختيار عنوان يتحلى بقدرة تعبيرية أدق في الكتابة عن تلك اللمحة السيرية للأصدقاء (نساء ورجال) التي تقتصر سرديتها على علاقتي بهم وتعالقي الوجداني والعقلي معهم من خلال استلهام معرفتي الثقافية في تعامل مباشر معهم أو عبر معرفة غير مباشرة من خلال إنتاجهم الثقافي أو الأكاديمي أو سواه من الأعمال. وفي المثال الأخير كان تناولي لأحد كتب فوزية البكر وكتاب سيرة عبدالواحد الحميد وكتاب عبدالعزيز الخضر السعودية دولة ومجتمع وسواها. كما رأيتُ أن أضيف على هذه السلسلة من المقالات مجموعة من الأسماء تشكل الكتابة عنها أو عن منتجها العلمي أو الثقافي إضافة تسجيلية حيوية لكتابة تحلم بتبادل خبز وملح وحبر نعمة الصداقة الوجدانية والفكرية المباشرة وغير المباشرة مع الرجال والنساء معا في هواء طلق ومشراق مِسفر ليكون متاحا لقراءة أجيال قد يهمها أن تعرف عنا وعن تجاربنا في الحياة وفي العمل والإبداع.
*****
وسأقوم في هذا الصدد لاستكمال مشروع الكتاب بكتابة عدد من المقالات المتتابعة التي سأنشرها لو سمح رئيس التحرير هنا بجريدة الجزيرة بمسمى مشترك تحت عنوان «الكتابة على مشراق الوطن». أرحب بأي مقترحات لمسميات خلاقة قد يكون أحدها بديلا أجمل وأدق لهذا النوع من سلسلة هذه المقالات.