اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
بادي ذي بدء فإن صفات الإنسان التي يتصف بها منها ما هو طبع موهوب جُبِل على التحلي به، ومنها ما هو تطبع مكتسب، يكتسبه عن طريق الممارسة والدربة والمران، وخير الناس هو الذي يمتلك سجية الطبع ويبذل جهداً جهيداً من أجل توطين نفسه على ما يعود بالخير عليه وعلى الآخرين، متخذاً من الطبع الموهوب مصدراً لتغذية التطبع المطلوب، ومن كل من الصفة المصنوعة والعادة المتبوعة وسيلة إلى تكريس السجية المطبوعة، وقد قيل: العادة توأم الطبيعة، وقال الشاعر:
الطبع شيء قديم لا يحس به
وعادة المرء تدعى طبعه الثاني
ومكارم الأخلاق عندما تكون سجية وطبعاً بالنسبة للإنسان فإنه يعلو شأنه ويرتفع مكانه في الوسط الذي يعيش فيه، كما أن رياضة النفس ومجاهدتها على صقل مواهبها وزيادة مكاسبها من السجايا الحسنة يضاعف من ذلك بصورة تؤدي إلى حسن الذكر واستحقاق الشكر، بفضل صقل الطبع الموجود من خلال التطبع المحمود، وقد قيل: من الصعب صقل السيف إذا لم يكن له من سنخه (جوهره) صاقل.
والطبع هو ما يقع على الإنسان بغير إرادة، وقيل: هو الجِبلة التي خُلق الإنسان عليها، ومنه تتشكل الصفات السلوكية ذات السمة الفطرية التي يمارسها الإنسان بغير تكلف، بوصفها مجموعة من العوامل الوراثية والركائز الأساسية التي تتألف منها شخصية الإنسان على النحو الذي يجعل الآخرين يتوسمون في شخصيته علامات تدل على الغرائز الجامعة بين الطبيعة والسجية والخُلق والعادة، وقد قيل لأحد الحكماء: ما هو الدليل الناصح؟ قال: غريزة الطبع، وقيل له: ما هو العناء المعني؟ قال: تطبيع من لا طبع له، وقد قال أبو العتاهية: لكل إنسان طبيعتان: خيرٌ وشرٌ وهما ضدان، وقيل العادة طبيعة ثانية، وقال الشاعر:
لكل أمرئٍ لا بد يوما سجية
يصير إليها غير ما يتخلقُ
والفرق بين الطبع والتطبع هو أن الأول تفرضه بيئة الإنسان ويتحكم فيه تكوينه الموروث بصورة توافقية يترتب عليها وجود صفات تختص بشخص دون آخر، وقد يتشابه عدة أشخاص في صفات معينة، والثاني هو ما يجده الإنسان من خلق مكتسب ينسجم مع هواه ويقترب إلى نفسه سواء أن يكون ذلك من قبيل الرغبة والتطلع إلى الأفضل أو تفرضه ظروف خارجة عن الإرادة.
وبمعنى آخر فإن الطبع يتكون من صفات موهوبة يستطيع الإنسان تطويرها حسب تربيته وتجاربه والمحيط الذي يعيش فيه، بينما يكون التطبع نتيجة لصقل طباع موجودة أو اكتساب صفات جديدة عن طريق ترويض النفس وتوطينها على الجد والاجتهاد في سبيل تحقيق هذه الغاية عبر التطبع بطباع لم تكن موجودة في المتطبع واكتسابها ينتج عنه صقل مواهبه وتحسين ذاته وتطوير قدراته وقد ورد في الأثر: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصبر، وقال الشاعر:
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم
غرائز لست تدريها وأكنان
ومن المعروف أن غريزة الطبع في الإنسان تمثل المرجعية بالنسبة لسلوكه وتصرفاته سواء أكان ذلك خيراً أو شراً حيث إن الغريزة السليمة والطبيعة السوية تهديان من يتصف بهما إلى الفضائل، وتحول بينه وبين الرذائل، متخذاً من اتباع الأولى جاذباً يجذبه إلى الهدى، ومن اجتناب الثانية حاجباً يحجبه عن الردى، وهنا تبرز خصلة نبيلة وصفة جليلة وهي الشيمة التي تفرض على الإنسان الحرص على كرامته وكرامة الآخرين بحيث تمنع من يتحلى بها من الوقوع في النقائص، وتحتم عليه اجتناب الأقوال والأفعال الناقصة.
ومهما حاول الإنسان فعل الخير وهو من طبعه الشر، فلابد أن يلحق عليه طبعه، لأن الطبع له الغلبة على التطبع، حتى لو توسل المتطبع جميع الوسائل المتوافرة لتغطية ما يعانيه من مركبات النقص الشخصية والأمراض النفسية التي تحسن له الابتعاد عن كل ما هو صحيح، والتعاطي مع كل قبيح.
وكما قال الشاعر:
إذا كان الطباع طباع سوء
فليس بنافعٍ أدب الأديب
والمتطبع في الاتجاه المذموم هو صاحب الخلق السوء الذي يجد نفسه مضطراً إلى التخلق بخُلق جميل وهو صاحب خُلق سوء أصيل، وهذا التخلق لا محالة زائل، وهو إلى خلقه الأول آيل، وكما قال الشاعر:
يا أيها المتحلي غير شيمته
ومن خلائقه الاقصار والملق
ارجع إلى طبعك المعروف وأرض به
إن التخلق يأتي دون الخُلقُ
وقال آخر:
كل أمريءٍ راجع يوماً لشيمته
وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
وهذا النوع من الناس سرعان ما ينكشف عند المواقف ويظهر على حقيقته عندما تتم منازعته ومكايدته من نوع طبيعته التي يحاول سترها والتطبع على حسابها، وقد قال ابن حزم: كل من غلبت عليه طبيعة ما، فإنه وإن بلغ الغاية من الحزم والحذر في إخفائها مصروع إذا كويد من قِبلها.
وقد قال الشاعر:
من تحلى شيمة ليست له
فارقته وأقامت شيمته
والطبع عبارة عن غريزة فطرية محورية جُبل عليها الإنسان على نحو يترك الطبع عليه بصماته، ويؤثر على مجريات حياته، والفطرة أقرب إلى الخير منها إلى الشر، بوصف الناس مفطورون على حب الخير نظراً لأن أصل الفطرة يدعو إلى كرم النفس وسمو الخلق، وصاحب الطبع النبيل والخلق الجميل لا يبحث عن بديل، والتطبع المذموم لا يوجد له إليه سبيل، ولا يظهر له عليه دليل بفضل سيطرته على ذاته، والتحكم في سلوكه وعاداته.