عمل الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي على تأسيس دولة أساسها العقيدة الإسلامية الصحيحة، وعمادها مواطنون آمنوا بفكرته، وعملوا معه على تحقيقها.
ولد الإمام محمد بن سعود عام 1090هـ / 1679م، ونشأ في الدرعية، وقد عايش فترة حكم جده الأمير محمد بن مقرن (1096 - 1106هـ/ 1684 - 1694م)، وكان شاهداً على الأحداث التي دارت لاحقاً بين أمراء الدرعية أو مع الأمراء المحليين في نجد، كما صقلت الفترة التي قضاها إبان حكم والده في الدرعية بين عامي (1132 - 1137هـ/ 1720- 1725م) كثير من ملامحه الشخصية، وشارك الإمام محمد في الدفاع عن الدرعية عندما غزاها سعدون بن محمد زعيم قبيلة بني خالد عام 1133هـ/ 1721م واستطاع جيش الدرعية الصمود أمام الجيش الخالدي.
هذه الأدوار المهمة جعلت الإمام محمد بن سعود على معرفة جيدة بمكامن الخلل في إدارة الدرعية، ورسم في مخيلته خارطة الطريق لإنقاذها.
عُرِف عن الإمام محمد بن سعود أنه كثير العبادة، وكان يخلو بنفسه كثيراً للتأمل، لذا فقد أصبح حكيماً، ولديه استشراف جيد للمستقبل، وكان له ارتباط وثيق بالأهالي يصغي لهم، ويسمع منهم، يعرف المحتاج منهم ويكفيه عوزه، وقد عرف عن الإمام محمد أنه كثير الصدقات، وكريم اليد بالعطاء.
كان لحسن تعامل الإمام محمد بن سعود مع قبائل العارض (المحيطة بالدرعية) مثل سبيع وآل كثير منذ القدم دور في تأهيله لتولي الحكم وريادة الدولة، تبين ذلك في مصاهرته لآل كثير وارتباطه بموضي بنت أبي وهطان، وكذلك مشاركة بعض القبائل مع جيش الدرعية في حملة العيينة، حينما غُدِر بزيد بن مرخان فيها عام 1139هـ.
بعد حملة العيينة التي وقعت في منتصف العام جمادى الآخرة 1139هـ / فبراير 1727م، وبروز حكمة الإمام محمد بن سعود في التعامل مع الموقف، تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية.
بدأ الإمام محمد بتنظيم الدرعية، ونقلها من طور الإمارة إلى طور الدولة، وقد أصبحت الدرعية في وقته محط أنظار الإمارات المجاورة، وبرز فيها العديد من العلماء، من أبرزهم قاضِ الدرعية الشيخ عبدالله بن عيسى، الذي قال عنه الشيخ محمد بن عبدالوهاب: (ما نعرف في علماء العارض ولا غيره أجلّ منه)، وهذا يدل على تميز الحالة الدينية والعلمية في الدرعية إبان حكم الإمام محمد بن سعود.
عمل الإمام محمد بن سعود على عدد من التنظيمات إبان حكمه، ومن هذه الأعمال:
* تأسيس الدولة السعودية الأولى 30 - 6 - 1139هـ - 22 - 2 - 1727م.
* توحيد شطري الدرعية وجعلها تحت حكم واحد بعد أن كان الحكم متفرقاً في مركزين وفرعين.
* بناء سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية القادمة إلى الدرعية.
* النجاح في التصدي لعدد من الحملات التي أرادت القضاء على الدولة.
* تقنين الموارد المالية للدولة وتنظيمها، والاهتمام بالزراعة ومصادر الدخل لأهالي الدرعية.
* تأمين طريق الحج والتجارة المار بالدرعية.
* عمل على نشر الاستقرار الأمني في الدولة.
* الاهتمام بحفظ سيادة الدولة الداخلية والخارجية؛ حيث كان حريصاً على فرض سلطة الإمام وعدم تجاوزها، وكان كذلك لا يقبل بالتدخلات الخارجية ضمن حدود دولته.
* الاستقلال التام عن تأثير القوى الكبرى المهيمنة على الكثير من الإمارات النجدية.
* الحرص على الاستقرار الإقليمي والدليل على ذلك إرساله أخيه مشاري للرياض لإعادة دهام بن دواس إلى الحكم بعد أن تم التمرد عليه.
* التواصل مع البلدات الأخرى للانضمام إلى الدولة السعودية وقدرة الإمام الكبيرة على التأثير واحتواء زعاماتها وجعلهم يعلنون الانضمام للدولة والوحدة.
* بدء حملات التوحيد وذلك بقيادته بنفسه للجيوش.
* توحيد معظم منطقة نجد وانتشار أخبار الدولة إلى معظم أرجاء الجزيرة العربية.
كان لهذه الأعمال وغيرها دور في استتباب الأمن، وازدهار المعرفة والعلم في عهد المؤسس الإمام محمد بن سعود، وقد قال عنه الشيخ حسين بن غنام:
بحكم إمام المسلمين وعدله
تحاط نواحيها ويحمى عرينها
خلّف الإمام محمد بن سعود أربعة من الأبناء، اثنان قتلوا في معارك الرياض (الأمير فيصل والأمير سعود) واثنان خلفوه في القيادة والإدارة، وهم: الإمام عبدالعزيز (الإمام الثاني للدولة السعودية الأولى) والأمير عبدالله.
بعد أربعين عاماً من التأسيس والقيادة للدولة السعودية الأولى، توفي الإمام محمد بن سعود عام (1179هـ / 1765م)، عن عمر ناهز 89 سنة هجرية.
يحق لكل مواطن أن يفخر بيوم التأسيس، الذي يعد منجزاً وطنياً عمل عليه الإمام محمد بن سعود والأئمة والملوك من بعده، ليحققوا عمقاً تاريخياً عريقاً للمملكة العربية السعودية، وفي يوم التأسيس نتذكر المؤسس محمد بن سعود وما عمل عليه من أعمال جليلة حققت الأمن والازدهار للدولة السعودية الأولى.
** **
د. سعد بن إبراهيم العريفي - باحث متخصص في تاريخ المملكة العربية السعودية