د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لم تصمم رؤية المملكة 2030 فقط على تنويع مصادر الدخل، وإنما يصاحبها تحول إلى الطاقات المستدامة، وهذا التحول بحاجة إلى مراحل للعبور ما بين مرحلة الاعتماد الكلي على معونات الدولة، ليس فقط القطاع الخاص، بل وحتى القطاع العام، ومن أجل فطمه من هذا الاعتماد المستدام بحاجة إلى جهود كبيرة وضخمة للتحول إلى الطاقات المستدامة، لسنا نحن فقط من نعاني من مرحلة التحول، بل حتى العالم الغربي المتقدم الذي رهن رفاهية شعوبه بالاعتماد على التصنيع في الصين، مراهناً على أن التقنيات المتقدمة ستبقى محتكرة لديه، لكن ما حدث أن تحولت الصين إلى مصنع العالم، وبدأ يبحث عن استعادة الصناعات التي تركها للصين.
أيضاً التحول من الوقود الأحفوري إلى الوقود المستدام، تتقاذف هذا التحول خلافات حول السياسات والتفاصيل وتضارب المصالح، وهناك مطالب أن يستخدم الغاز كوقود مرحلي للعبور بين عصر الطاقة الأحفورية وعصر الطاقة المستدامة، لكن هنا التحول يشوبه جوانب سياسية وليست فقط اقتصادية.
اتبعت الدولة في هذا التحول المراحل، ومن هذه المراحل بدأت ببرنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالي لقطاع التوريد في السعودية (اكتفاء) تقود هذا البرنامج أرامكو التي تتجه نحو عدد من البرامج والمبادرات الداعمة لتوطين التقنيات والإنتاج، وتسعى الشركة من خلال برنامج اكتفاء إلى زيادة الاستثمار والتنويع الاقتصادي، لتوفير فرص عمل للقطاع الخاص مستفيداً من الميزة النسبية التي تتمتع بها السعودية، وهي الطاقة لتحويل هذه الميزة إلى ميزة تنافسية.
من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وفي نفس الوقت يحقق لشركة أرامكو منظومة داعمة لسلاسل القيمة المتكاملة التي تساعد الشركات على العمل بكفاءة، ومنذ إنشاء البرنامج في 2015 نجحت الشركة في إنشاء شراكات بين الشركات المحلية ونظيرتها العالمية الرائدة الحريصة على تعزيز التعاون، وهي فرصة للتغلب على أي تحديات تشغيلية أو تسويقية، لكنها في النهاية تساعد هذه الشراكات على النمو وترسيخ مكانة هذه الشركات محلياً وعالمياً لتشكيل محركات ديناميكية الابتكار والمنافسة.
هذا التحول يتماشى مع الرؤية الوطنية على تطوير وتوطين قطاع طاقة متنوع ومستدام وقادر على المنافسة، مستفيداً من موقع السعودية المتوسط، الذي ساهم في رفع المحتوى المحلي في سلسلة التوريد في أرامكو من 35 في المائة عام 2015 إلى ما يقرب من 60 في المائة في آخر إحصاء، وهو عرض ناجح لنموذج التحول الذي رافق تصميم رؤية المملكة.
كما أطلقت الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (سكاي) المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة لدعم ونمو وتطوير القطاع والتقنيات الناشئة الهادفة لتمكين القطاعات الواعدة، لتصبح السعودية مركزاً عالمياً منافساً في التقنيات المتقدمة، وستعمل على تقديم حلول ابتكارية متنوعة في قطاع الذكاء الاصطناعي لمجموعة من القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة والرعاية الصحية، لتكون الشريك المفضل في تقديم الخدمات، وستركز على تطوير 13 قطاعاً استراتيجياً، من ضمنها قطاع التقنية، وجهود الصندوق في بناء شركات وطنية يصل عددها 400 شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي تسهم في تطوير قطاعات واعدة، والمساهمة في جلب استثمارات خلال الأعوام العشر المقبلة تقدر بـ80 مليار ريال، تماشياً مع مستهدفات رؤية 2030، حيث يعد برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) داعماً قوياً للمشروع.
إذ إن العمل المشترك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف المنشودة لنهضة صناعية، ويعتبر برنامج (اكتفاء) مثلاً لكيفية الوعي الموجود في الشركات الوطنية لخلق فرص للاستثمار في القطاعات التي تساعد في تقوية أساس الإمداد واعتماد السعودية على إمكاناتها الداخلية، حيث أقيم مؤتمر التعدين الدولي وشهد إقبالاً كبيراً من المستثمرين المحليين والأجانب، كون القطاع مهماً لتمكين المحتوى المحلي وبرنامج (اكتفاء)، معتبراً توفير المواد الخام للصناعات هو التحدي المستقبلي للعالم بأسره، وأن السعودية غنية بهذه المواد التي تعد أساسية في قطاعات مهمة لصناعات المستقبل مثل الطاقة المتجددة والمتقدمة بشكل عام.
هناك حراك اقتصادي كبير في السعودية لا يقتصر على قطاع الطاقة والنفط والغاز، وإنما هناك مشاريع أخرى منها السياحة المتمثلة في مشاريعها العملاقة مثل القدية ونيوم والبحر الأحمر وجميعها تخلق طلباً كبيراً على المستوى الوطني، والعمل على مساعدة المستثمرين وتحديد الفرص الملائمة ومستوى الطلب عليها والإسراع في تنفيذها على أرض الواقع.
ولدعم هذا التحول تستضيف السعودية مؤتمراً تقنياً دولياً بمشاركة 700 مبتكر وشركة حول العالم، في 1-3 فبراير 2022 الذي تنظمه وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وتمكين الإنسان من خلال الربوبوتات، والتقنيات المعززة للأمن الغذائي والمائي، بالإضافة إلى استعراض أبرز ما توصلت إليه التقنيات في قطاع التعليم، ومناقشة الاقتصاد الإبداعي ،بالإضافة إلى مناقشة التقنيات المالية والثورة الصناعية الرابعة والمدن الذكية، وسيقام على هامش المؤتمر مسابقة بين 90 شركة ناشئة تقنية للمنافسة على جوائز تمويل بقيمة مليون دولار، وسيجتمع رواد الأعمال لعرض أعمالهم أمام لجنة من كبار المستثمرين العالميين، ليتأهل أفضل عشرة رواد أعمال من خلال التركيز على مستوى الإبداع والابتكار والإمكانيات والوظائف والتأثير على الأفراد والمجتمع.