د.عبدالله بن موسى الطاير
إعلان 22 فبراير يومًا لتأسيس المملكة كان متوقعًا، وتزول عنه الغرابة عندما نتذكر أن الملك سلمان يعتبر مؤرِّخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، وأن الأمير محمد بن سلمان ردد في غير مناسبة أنه سليل أسرة حكم تمتد لستة قرون.
الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه - وحَّد مكونات المملكة في دولة سعودية ثالثة أطلق عليها المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932م، والملك سلمان شدَّ الدول السعودية الثلاث إلى بعضها بيوم التأسيس. لقد ركَّز هذا القرار على مفاهيم تاريخية غائبة، ترتبت على غيابها قناعات غير دقيقة، وآن الأول لوضع النقاط على الحروف والتأكيد على أن تأسيس الدولة كان قرار الإمام محمد بن سعود وحده عام 1727م، وأن الدول السعودية الثلاث متصلة منذ ذلك الحين.
هذا التوجيه المهم لمجرى التاريخ، لم يتخذ خارج سياق إعادة بناء دولة عصرية قوية، فهو ضمن قرارات ومبادرات عميقة غيَّرت وجه المملكة واختصرت زمن التغيير الذي كان مقدرًا بعشرات السنين إلى بضعة أعوام. تولى الملك سلمان الحكم وشعبه شاب، وسط عالم مضطرب، وهوية كونية مهيمنة، وبلدان عربية تترنَّح بعد جائحة ما يُسمى بـ»الربيع العربي». الجيل السعودي الشاب يتماهى مع أقرانه في مختلف بلدان العالم، وسط تحولات كبرى تنوء بها أركان الدول الراسخة. الحراك الثقافي الذي نشأ على ضفاف الإنترنت وعبر ميادين شبكات التواصل الاجتماعي فريد من نوعه، ومنبت عمَّا سبقه؛ فقد أسهم في توسيع الفجوات القائمة بين الأجيال من جانب، وبين الحقب التاريخية من جانب آخر. لقد صيَّرت شبكات التواصل الاجتماعي حدوث التحولات مهما كانت ضخامتها ممكناً، وسرَّعت من وتيرة حدوثها. لعبت تلك المنصات دورًا في انتخابات أمريكا عام 2008م، وجاءت برئيس أسود للبيت الأبيض، وكادت أن تهزم ملالي طهران عام 2009م، وهي ذاتها التي عصفت بالعالم العربي عام 2011، وأسهمت في الاستقطاب الحاد في المجتمع الأمريكي ليبلغ ذروته بغزوة الكونجرس في 6 يناير 2021م. فهل كانت السعودية في مأمن من المخاطر؟ خاصة إذا ما علمنا أن شعبها من أكثر شعوب العالم نشاطاً على شبكات التواصل الاجتماعي التي تصنع التحولات حول العالم وتحركها.
لم يكن التوافق مع التحولات التي تحكم العالم، وضبط الإيقاع مع دورات الزمن، وردم الفجوة بين الأمس واليوم، ليحدث حراك منهجي يقوم على أسس وتخطيط واع مرتبط بالماضي والحاضر والمستقبل. مهندس العمق السعودي، الملك سلمان، سلك طريقاً مختلفاً للتغيير عندما ضخ في شرايين السلطة دماً شاباً هو الأمير محمد بن سلمان الذي استطاع أن ينطلق بطاقات السعوديين نحو المستقبل، وأن يخوض بالشباب غمار المستقبل، وأن يوحّد مكونات المملكة في رؤية السعودية 2030، فكان بذلك قد دشَّن تغييراً بنكهة سعودية أعادت للتاريخ أهميته واستثمره لفهم اليوم والغد، ودشَّن الإصلاح القائم على مكامن القوة للمملكة ومجتمعها الشاب وعلى موروثها العريق.
ولأن التاريخ يعزِّز المستقبل، فكان قرار إعلان يوم التأسيس بمثابة حصانة مركّزة ضد النسيان. فالبناء التراكمي للدولة في عهد ملوكها جميعاً هو منصة الانطلاق للمستقبل، وهذا التحول البنيوي المهم في علاقة الأمس باليوم، والأصالة بالمعاصرة يجب أن ينعكس في مناهجنا، وإعلامنا، وحراكنا الثقافي، وصورتنا الذهنية.