د. تنيضب الفايدي
أحيطت المدينة المنورة قديماً بجميع أحيائها بسور يوفر الأمن والحماية من هجمات الأعداء وأول سور كان عام 263هـ وجدد عام 540هـ ثم عمل سور أكبر من الأول مساحة وارتفاعاً عام 946هـ ثم بدأت تخرج بعض الحارات أو الأحوشة. ويقصد ( بالحوش) في المدينة المنورة: مجموعة من المنازل تحيط بساحة (باحة) واسعة لها مدخل له باب يمكن التحكم به بفتحه أو غلقه، وقد استمر استخدام الأحواش حتى عام 1411هـ حيث أزيلت تلك الأحواش وأول ما ذكر نظام الأحواش قبل أكثر من مائة عام أي عام 1303هـ.
وظيفة الأحواش أو (الحارات المغلقة)
1 - الترابط الاجتماعي القوي، حيث تقوى الروابط والعلاقات الاجتماعية بين سكان الحوش الواحد ويقوى التعاون والتكاتف بين الأسر في المناسبات وتقوى العلاقات بين الرجال، حيث إن الحاضر ينوب عن الغائب عند الحاجة في خدمة أسرة الغائب، كما أن أهل الحوش يتعاونون على إعالة الأسرة التي لا عائل لها وخدمة الأرملة أو المرأة التي لا ولي لها.
ويتحدث الكاتب عن خبرة وتجربة ميدانية، حيث عمل مدرساً لفترة زمنية في المدرسة الناصرية التي تخدم طلاب أحوشة زقاق الطيار وأحوشة باب الكومة، كما عمل في الإحصاء عام 1394هـ في أحوشة شمال شارع العنبرية والأحوشة الجنوبية لزقاق الطيار والعريضية ومن خبرته:
أ- كافة المعلومات لكل أسرة في الحوش (الأسماء وتاريخ الميلاد (ذكوراً وإناثاً) يمكن أن يدلي بها شخص واحد من أسر الحوش بما في ذلك الحالة الاقتصادية والدخل وأنواع طعامهم.
ب - يقوم الرجل مع أهله بإيصال جارته التي غاب عنها زوجها أو الأرملة إلى المستشفى، وفي حالة (التنويم في المستشفى) تبقى زوجته معها وهناك حالات متعددة طبقت في الواقع الميداني
ج - أخبر أحد سكان بعض الأحوشة الكاتب قبل خمسين عاماً بأن جاره عند ختان ابنه أتى بالمزيِّن (الحلاق) وطهر ولده ثم طهر (ختن) ابن جاره في الحوش (حيث كشف على بعض أبناء جيرانه ووجد أن أحدهم لم يطهر (يختن) بعد!
2 - يستفيد الجيران جميعاً من الساحة (الباحة) الداخلية للمناسبات (الصغيرة) وأحياناً الزواج، كما أن نساء الحوش يجتمعن (ضحى) وتأتي كل واحدة بما لديها من (شاي، قهوة، شريك) للمشاركة في (أكلة الضحى) وذلك في ساحة الحوش حالة خلوّه من الرجال.
3 - يكون سكان الحوش مثل سكان البيت الواحد فلو دخل غريب يتنبه له الصغار ويشعرونه بأنه قد أخطأ الطريق إلا إذا كان زائراً لأحد معروف، لذلك يساعد الحوش على الألفة والتعارف، وازدياد النسيج الاجتماعي بالمصاهرة بين سكان الحوش الواحد أو الأحوشة المتجاورة. ويتعارف أصحاب الأحوشة على بعضهم وتتم الزيارات بين أهل الحوش الواحد ثم بين أهل الأحوشة المجاورة وإثر ذلك يتم زواج الشباب والشابات فلا توجد عوانس آنذاك، بل ويتم الزواج مبكراً ما بين الأعمار الخامسة عشرة والثامنة عشرة ولا توجد في البيوت في ذلك الوقت بنات في عمر الزواج ولم يتزوجن للعلاقة الاجتماعية القوية بين السكان آنذاك.
4 - الأمن: كانت وظيفة الحوش قديماً قبل الحكم السعودي الزاهر توفير الأمن للقاطنين فيه، وفي بعض أيام الخوف يتناوب بعض سكان الحوش لحراسة البوابة، والدفاع عنه وصد من يحاول الدخول إليه، وتغلق بوابة الحوش في أوقات محددة، تم ذلك في أيام انعدام الأمن. أما حالياً فقد انتفت هذه الوظيفة للحوش لتوفر الأمن للجميع، وقد تم رصد مجموعة من أسماء الأحوشة والأزقة عام (1394هـ) ومنها: أحوشة شارع زقاق الطيار: حوش درج، حوش خير الله، حوش الوقف، حوش وردة، حوش هتيم، حوش شلبية، حوش شلبي، حوش السمان، حوش سكر، حوش مسعود.
وهناك أحوشة باب الكومة (شمال زقاق الطيار) ومنها: حوش خميس، حوش الرشيدي، حوش السيد، حوش القائد، حوش كرباش.
وأيضاً أحوشة العريضية، جنوب زقاق الطيار، حوش القشاشي، حوش ميرمة، وحوش أبو شوشة.
وإذا انتهى شارع زقاق الطيار يأتي السيح غربه، وشارع العنبرية في جنوبه الغربي ومن أحوشته: حوش العبيد، حوش أبو ذراع، حوش الراعي (وهذه شمال شارع العنبرية)، أما في جنوب شارع العنبرية وغربه فهناك حوش عميرة، حوش مناع، حوش الخياري، حوش أبو جنب، حوش الجوهري.
وهناك مجموعة من الأحوشة في شارع الجنائز جنوب الحرم الشريف مثل: حوش دولات، وحوش الفقيه، حوش النورة، إضافة إلى أحواش في بداية شارع العوالي مثل: حوش الشريف، حوش المغربي، حوش الصعيدية. وشارع الساحة أقرب إلى الحرم النبوي الشريف من جهة الشمال الغربي، ومن أحوشته حوش التكارنة، حوش فواز، حوش الجمال، حوش رماد، حوش الشامي.
وفي الجنوب والجنوب الغربي للحرم الشريف توجد عدة أحوشة مثل: حوش التاجوري، وحوش التاجورية وحوش محمود، وحوش المحمودية، وحوش منصور.
والزقاق (مصطلح في المدينة المنورة وبعض المدن الأخرى ولاسيما في الحجاز): عبارة عن شارع وعادة يكون ضيقاً والأزقة كثيرة جداً في المدينة المنورة قبل أكثر من خمسين عاماً حيث تقع المباني ذات الطوابق المتعددة على الجانبين وتضيق بعض الأزقة لدرجة أنها لا تسمح بالمرور إلا لشخص واحد لذلك تتبادل الجارة الحديث مع جارتها ووكل واحدة منهما في بيتها، وإذا ما تم استثناء شوارع المدينة وهي شارع العينية وشارع سويقة، الساحة، شارع السحيمي، شارع العنبرية، شارع القشاشي، شارع السيح، شارع باب الكومة، شارع الحماطة، وما تبقى من شوارع المدينة تعتبر أزقة آنذاك مثل: زقاق الخزنة، زقاق الحبس، زقاق الطوال، زقاق الخياطين، زقاق سقيفة الرصاص، أزقة (سيدي مالك) وعشرات الأزقة الأخرى الضيّقة جداً مثل: زقاق عانقني، وزقاق ياهو، ولاسيما في حارات: الأغوات والساحة، والمناخة.
هذه بعض مواقع منازل سكنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -رضوان الله عليهم أجمعين - وتشرّفت بالخطوات المباركة عند زيارته صلى الله عليه وسلم لهم، تشتاق إليها وأنت فيها:
ومن عجب أني أحنّ إليهمُ
وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي