مشعل الحارثي
بعد أن تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في الأسابيع الماضية إعلان مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل اختيار أكاديمية الشعر العربي (محافظة الطائف) عاصمة للشعر العربي لعام 1443هـ، حتى عادت بي رائحة الذكرى تستدعي ما جاءت به الفصول من مراحل العمر، وتقف بنا عند العام 1385هـ عندما وافق سموه - حفظه الله - على الرئاسة الفخرية لنادي (الأدب للشعر والشعراء النبطيين بالطائف)؛ انطلاقاً من رؤيته بأهمية ودور الشعر الشعبي النبطي السعودي كإحدى المنصات والروافد التراثية التي تعكس أصالة وتاريخ وثقافة الوطن، وما لها من دور وتأثير قديماً وحديثاً، ولتعطي الدلالة بأن سموه ومنذ بواكير حياته وشبابه مسكون بالشعر والإبداع مهموم بالفكر والثقافة والأدب، إضافة إلى ما يحمله من هموم الوطن والتنمية والبناء كرجل دولة، كيف لا وهو رجل الأولويات والمبادرات والخطط والاستراتيجيات والنجاحات المتتالية التي حصدها هنا وهناك، وفي كل موقع عمل به، رجل المراحل والمناهل والسواحل، وقد عرفناه عطاء لا ينكفي وطموحاً لا ينطفي، يسرج جياد أحلامه ويعزفها على وتر ومقامات الوطن وألحان المجد والسؤدد، قصيدة ممتدة في شرايين العطاء والبناء والرفعة والشموخ.
خالد الفيصل الوعي المتأصل في يقظة الزمن من فكر وفجر مشرق الرؤى والآمال، واثق الخطى في تحقيق الأحلام بالأعمال والأفعال، وما يؤمن به سموه من أن العلم والإيمان والأدب والثقافة بمعناها الشامل تبني الرجال وتصنع الأجيال وتمدهم بكريم الأخلاق والخلال، وترفد نهضة البلاد لتكون في أبهى مثال وأجمل حال.
خالد الفيصل رجل الإدارة والإرادة والمسؤوليات، والإنسان المرهف المشاعر والأحاسيس فارس القلم والكلمة وفنان الريشة واللون، صاحب الذوق الرفيع والمواهب والقدرات الفريدة الذي طاف عوالم الشعر وحلق مع الشعراء في فضاءات الحرف والمفردة الشاعرة، وأجج القصيدة الشعبية بروائعه الخالدة وخلدها في أذهان الناس ووجدانهم، فكان السحابة والنجابة والمهابة والكتابة والخطابة وشجرة العطاء المورقة من بحر خياله ومهجه الفياضة بالمشاعر، والمعادلة المترفة بالبلاغة والأصالة في صياغة جملة الكلام.
ومنذ إطلاق سموه منتداه الأدبي الأول بالرياض الذي أشاد به علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر في افتتاحية أحد اعداد مجلة العرب، وسموه يواصل ما بدأه في هذا المجال حتى قيامه بإطلاق هذا الحدث المتجدد وبصورة أخرى تعزز أهداف سموه واهتمامه وعنايته بتراث البلاد وتاريخها، ومن ضمنها إحياء سوق عكاظ، حيث يوضح سموه في لقاء صحفي نشر آنذاك أهداف منتدى عكاظ الشعري ومراميه فيقول: (لقد اجتمع نخبة من شعراء البادية وأسسوا هذا النادي ورأوا في أن أكون رئيساً فخرياً له، وأنا أول من يشجع الأدب والشعر وأن الهدف من إحياء الشعر النبطي خصوصاً ما يسمى (المراد) بعد أن كاد أن ينعدم، وطبعاً هناك خطة مدروسة لهذا النادي قدمت لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ونحن في انتظار توجيهات وزارة الشؤون الاجتماعية)(1).
وقد استهل هذا النادي نشاطه الفعلي في السابع من شهر جمادى الأولى 1385هـ بحفل ساهر في مقر النادي بتشريف سمو الأمير خالد الفيصل وعدد كبير من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء والأدباء والشعراء، وشهد الحفل إلقاء بعض القصائد الشعرية لكل من الشاعر الشعبي: ثواب الجعيد، وعبادل المالكي، وأحمد الحارثي، ثم تعاقب الخطباء على إلقاء الكلمات وكان في مستهلها الكلمة الترحيبية لرئيس النادي الإداري الشاعر أحمد بن حقيب الغامدي والذي قال : (لقد كان في يوم من الأيام سوق عكاظ وهو ليس عنا ببعيد، انه على الروابي الخضراء من مرابعنا العامرة وعلى بعد عدة كيلومترات من حفلنا هذا، وكان ملتقى شتى الثقافات والأفكار ومرآة الأمة العربية، فيه يفدى الأسرى ، وينشد القريض، ويفاخر بالنسيب، وفيه منافع للناس على مختلف مشاربهم وطبقاتهم، وانقرض على مر السنين ولعبت به يد البلى ولم يبق منه إلا آثار تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد كما يقول طرفة بن العبد، ولكنه حي في النفوس تعيش ذكراه في قلب كل عربي نابض يؤمن بإعادة الماضي المجيد لهذا المنتدى الرحب لحياتنا الأدبية الماضية والحاضرة.
ويضيف قائلاً : ولقد راودت رغبة في إحيائه البعض من مؤسسي هذا النادي، ولقد رأى الجميع أن يستشيروا رأي سموكم في إحياء هذا الاسم الخالد ليكون له في المستقبل شأن عظيم كما كان في الماضي، وقد تكرم سموكم فشجع الفكرة تشجيعاً يدل على مدى عمق نظرة سموكم وتقديركم لها واهتمامكم بان توضع موضع التنفيذ في أقرب فرصة ممكنة).
واختتم الحفل الخطابي المقام بهذه المناسبة بكلمة لرئيس الشرف بالنادي سمو الأمير خالد الفيصل، ثم أقيمت أمسية شعرية في شعر (المراد) بين كل من الشاعر طلق الهذلي، ومحمد بن تويم الثبيتي، ومن احتفاء الشعر الشعبي بميلاد نادي عكاظ نقتطف هذه الأبيات من القصيدة الترحيبية بالأمير خالد الفيصل للعم الشاعر أحمد بن حامد العمراني الحارثي - رحمه الله - المسؤول آنذاك عن برنامج البادية بإذاعة المملكة العربية السعودية بمكة المكرمة حيث يقول:
يا الله اطلبك يا سماع صوت المنادي
كل عبد ترجى خالقه ما يضيمه
تنصر الدين والإسلام يا خير هادي
يا مجيب الدعاء جزيل العطايا الكريمة
اجتمعنا تحت راية مليك البلادي
باني المجد (فيصل) من سنين قديمة
قائد العرب حامينا مكيد الأعادي
طال عمره على طول السنين المقيمة
مرحبا ارحب (يا خالد) من اقصى الفؤاد
التراحيب أقدمها بنية سليمة
والتراحيب للجمهور حضر وبوادي
مرحباً من هجوس بالمثايل فهيمة
(خالد الفيصل) الله يجعله في الموادي
يوم شرفت (نادي عكاظ) فرصة عظيمة
في وجودك ورعايتك (لعكاظ نادي)
بنحيي (عكاظ) ويسير له شهرة وقيمة
ودنا تنهض الأمجاد في كل وادي
باجتماع على عز وشجاعة وشيمة
ثم صلوا على طه شفيع العبادي
ابن عبد الله المختار ذكره غنيمة
كما جاءت مشاركة الشاعر الشعبي عبادل المالكي -رحمه الله- أيضاً لتؤكد على مدى الفرح والابتهاج بميلاد هذا النادي والاعتزاز بحكام هذه البلاد من آل سعود وقيادتهم البلاد لذرى المجد والتقدم والحضارة فيقول:
بديت ذكر الله حسبي وخالقي
رب العباد الواحد القهار
وأصلي على المختار وارجي شفاعته
صلوا معي على الهادي المختار
وارحب بيوم (عكاظ) يحيي تراثنا
ونجدد الماضي بغير انكار
في ظل عاهلنا وحامي بلادنا
الله يديم الصارم البتار
أقام فينا الحق والدين والتقى
بحال حليم وحالة جبار
يحكم بشرعة الله وسنة نبيه
ويا ويل من يتعرض الاخطار
يعيش (أبو عبد الله)، الله ينصره
هو نورنا لن غابت الانوار
أولاد مقرن يا لله انك تعزهم
خلوا يمين المجرمين يسار
هم جددوا مجد العرب في الجزيرة
وقرار يا حكم السعود قرار
أقاموا مشاريع البلاد وعمارها
وصارت بلدنا تحفة الزوار
والشيب والشبان تهتف (لفيصل)
يعيش حر عقبوه احرار
جدد لنا تاريخ قس بن ساعده
واحيا تراث (عكاظ) بالشعار
ويدور الزمان دورته وبعد أكثر من (40) عاماً على ميلاد هذا المنتدى فيشاء الله أن يعود سموه الكريم وبعد عدة محطات من عمله بالدولة أميراً لمنطقة مكة المكرمة، وليكون على قائمة الفعاليات والمناشط التي شرفت بسموه، وفي بدء مسيرته التنموية بهذه المنطقة افتتاح الدورة الأولى لسوق عكاظ عام 1428هـ بحلته الجديدة وبرعاية ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، ولتتوالى دورات هذا السوق السنوية ليصبح مهرجان سوق عكاظ في صدارة المشهد الثقافي ومن المعالم الثقافية البارزة في المملكة العربية السعودية، بعد أن رفض سموه أن يكون مجرد مجموعة من الخيام المتناثرة هنا وهناك والفعاليات المحدودة، فحوَّله بثاقب رؤيته واستشرافه الواعي إلى نموذج عصري شامل لكافة المناشط والفعاليات الثقافية والأدبية والتجارية والعلمية والتراثية والسياحية والاجتماعية الجاذبة، وجعل منه ملتقى حقيقياً للشعوب والزوار من داخل البلاد وخارجها، إضافة للعناية بالإبداع والتشجيع على التميز من خلال المسابقات المتعددة للشعر الفصيح والشعبي والفنون المختلفة التي تؤكد على عمق الحضارة الخالدة لبلادنا.
فهنيئاً للطائف المأنوس هذا الإرث الحضاري وهذه التسمية التي تستحقها من أمير الشعر والبيان والفكر العربي والتي نأمل أن تخرج فعالياتها خلال هذا العام بما يعزز هذه المكانة والمخزون التراثي والدور التاريخي العربي والعالمي لبلادنا.
(1) من تصريح صحفي نشر لسمو الأمير خالد الفيصل بجريدة الندوة - 1385هـ.