سلمان بن محمد العُمري
إكرام وتقدير كبير السن وإجلاله وتوقيره سمة من سمات الخير التي حثنا ديننا الإسلامي عليها سواءً أكان هذا المسن قريباً أم بعيداً؛ فعن أبي موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط).
وفي مجتمعنا -ولله الحمد- نرى التقدير المستحق لكبير السن من الرجال والنساء على حد سواء، وآثار هذا التقدير واضحة بينة في المنازل والمحافل والأماكن العامة والخاصة ومظاهرها بينة متعددة لا يمكن حصرها في مثال، وهو التزام ديني واجتماعي وأدبي اعتدنا عليه وأصبح أمراً مألوفاً؛ فهم الخير والبركة، وهذا يتفق مع ما أخبرنا به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد ابن عباس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (البركة مع أكابرهم).
ومما يؤكد ذلك التقدير والمحبة والاحترام قلة دور رعاية المسنين والعجزة في بلادنا رغم كثرة الأعمال الاجتماعية والخيرية، بل إنه من المعيب جداً جداً أن تسمع بمن أودع والده أو والدته في دور المسنين، ومن يفعل ذلك وهو نادر للغاية يعتبر قاصراً ومقصراً في نظر المجتمع كله، بل إننا نرى ونسمع عن تنافس الأبناء والبنات في رعاية والديهم ورغبة كل واحد منهم أن يحظى بشرف خدمة والديه والعناية بهما أو بأحدهما.
وما من شك في أن هناك قصوراً لدى قلة قليلة في هذا الجانب ولا تكاد تذكر، وقد يكون لها مسببات، ومع ذلك لا نلتمس لهم العذر في التفريط بهذا الواجب العظيم.
وتقديراً لهذه الفئة الغالية وتأكيداً لحقوقها صدرت موافقة مجلس الوزراء على مشروع النظام الجديد لحقوق كبير السن ورعايته والذي يستهدف حفظ حقوق كبار السن ورعايتهم ورفع جودة حياتهم.
ويعطي نظام حقوق كبير السن ورعايته عناية خاصة لهذه الفئة ويسهم في ترسية قواعد استقرار المجتمع وتنميته وحفظ أمنه واقتصاده، وينص النظام الجديد على منح كبير السن امتيازات خاصة ويحفظ حقوقه الاجتماعية والمالية والقانونية، وكذلك ينص على عقوبات صارمة بغرامات مالية أو السجن تجاه من يسيء لكبير السن ويستغل أمواله سواء كان من الأفراد أو الجهات الاعتبارية، كما يهدف النظام إلى ضمان إجراء الدراسات والبحوث وتوفير البيانات اللازمة لتطوير الخدمات الخاصة بكبار السن، ودعم الأنشطة التطوعية، وتأهيل المرافق العامة والتجارية والأحياء السكنية والبيئة المحيطة والمساجد لتكون مناسبة لكبار السن.
وأكد النظام على أن من حق كبير السن العيش مع أسرته وعليها إيوائه ورعايته وفق تسلسل الرعاية وألا يجوز لدور الرعاية إيواء كبير السن إلا بعد موافقته أو صدور حكم قضائي بذلك، كما يمنح النظام كبير السن بطاقة امتياز من الوزارة تمكنه الحصول على الخدمات والامتيازات.
ومميزات النظام متعددة يمكن لكل من يرغب الاطلاع عليها كاملة في عدد من المواقع ذات العلاقة.
وقد يقول قائل، طالما أن مجتمعنا محافظ فما لزوم هذا النظام؟!
أقول، وكما ذكرت آنفاً أن الناس ليسو سواء وهناك من يشذ عن الواجب الديني والأعراف الاجتماعية فتسول له نفسه الإساءة لكبار السن ولحقوقهم المالية والمعنوية، فجاء هذا النظام حافظاً لكرامة كبار السن ومؤكداً عليها، كما سيكون رادعاً لكل من يتجرأ على هذه الحقوق ويتجاوزها، وقديماً قيل «يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
إن العناية بكبار السن في المملكة العربية السعودية لم تتوقف على هذا النظام فهناك برامج وأنظمة أخرى تصب في خدمة هذه الفئة الغالية والعزيزة على قلوبنا، وقد أنشأت المملكة اللجنة الوطنية لكبار السن تتولى وضع الخطط والمشروعات الوقائية والبرامج التوعوية الهادفة إلى تلبية متطلبات كبار السن، ورسم السياسة العامة لرعاية المسنين في المملكة واقتراح الأنظمة واللوائح الخاصة بالمسنين والتي تكفل لهم حياة اجتماعية كريمة وتعزز مكانتهم، وترسيخ الوعي في أوضاع المسنين وقضاياهم بما يكفل مكانتهم الأسرية والاجتماعية اللائقة.
وأعيد التأكيد على أن السمة الغالبة والميزة الطيبة في مجتمعنا هي التقدير والعناية بكبار السن واحترامهم وتجنب ما يؤذيهم، والجميع يدركون هذا الأمر ويتجنبون ما يكدر على آبائهم وأمهاتهم، خاصة من تقدم بهم السن فأعمارهم وأحوالهم الصحية والنفسية قد لا تتحمل أي موقف أو حتى أخبار مزعجة عن الغير فضلاً عن أسرتهم، وإذا كان جبر الخواطر ومراعاة المشاعر لدى الآخرين من مكارم الأخلاق ومما ندب إليه الشرع فإن الوالدين أولى وأحق بهذا العمل النبيل؛ بل هو من أبر البر برهما وألا تزعجهما ولا تتسبب في إزعاجهما ولا تنقل لهما عنك ولا عن غيرك من قريب أو صاحب إلا كل خير.