عبد العزيز الصقعبي
إلى:...
صاحب القلب الأخضر.. أجل أنت.. سمعتهم يقولون ذلك بعد أن عاتبتهم لبقائهم في بيئة منغلقة ومحافظة، من هم.. تعرف بعضهم.. ولكن بكل تأكيد لا تذكر ذلك، أنا أذكره تماماً، ذاكرة طفل يسمع كلاماً لا يفهمه، دعني أسترجع ملامحك قليلاً، كنت نحيفاً، بعمر والدي أو ربما أكبر، أعتقد أكبر، شارب خفيف، وذقن حليق، تلبس ثوباً أبيض، وغترة بيضاء، وعقالاً، أنيق، تذكرني ببعض المسؤولين في المدن الكبرى، ويعض نجوم التلفزيون من مذعين وفنانين وربما أدباء، كنتَ حينها قادماً من بيروت، سمعتك تتحدث عن جمال الطبيعة، ليعلق أحدهم «الخضرة والماء والوجه الحسن»، لا يوجد لدينا بحر في الطائف، هنالك بعض المزارع، وليست كثيفة، ولكن ما الذي تقصده بالوجه الحسن، لم أشغل ذهني بهذا السؤال، ولكن ما أشغلني فعلاً وجعل الأسئلة تتزاحم في رأسي عتابك لبعض الشباب لعدم سفرهم إلى الخارج، حيث الحياة، أعرف أن بعضهم قال بصوت منخفض «الله يحسن خاتمته»، وقال آخرون «ليته يتفرغ للعبادة بدلاً من التسكع في البلدان»، أعرف أنك متزوج ولك أبناء، وأيضاً أحفاد، معرفتي هذه في ذلك الوقت بسبب أنني كنت صديقاً لأحد أحفادك، وتحديداً ابن ابنك الكبير، الذي يراك مختلف، وأنا كذلك، هذا الحفيد بعد عشر سنوات لم يصدق أنك رحلت رحلتك الأبدية، توقع أنك سافرت وستعود، يعرف أنك تحب الحياة، بلا مجون، تدخن، ولا أحد يستطيع أن يمنعك في مجالس الرجال، عندما تتحدث عن سفراتك، أتذكر أنك تحدثت ذات مرة عن شارع الحمرا في بيروت، المحلات الفنادق، المقاهي، كنت تحب صباح ووديع الصافي، وهنا كنت تحب أن تشارك الجميع الرقص والغناء، دائماً تجلس في صدر المجلس، لك هيبة خاصة، الجميع يقدرك، يحترمك، يتمنى البعض لو امتلك قليلاً من جرأتك، و ثروتك التي اكتسبتها من عملك بالحكومة بمنصب رفيع، قبل أن تتقاعد، أحدهم يقول من المفترض أن يكون هذا الرجل أحد أبناء الغرب، أمريكي مثلاً، هو يشبههم ببعض تصرفاته، ربما عمل في صغره هناك واكتسب بعضاً من عاداتهم.
أنا الآن أتمنى أن أعود قرابة الخمسين سنة، لأقابلك، وأرصد سيرتك، وأعرف ما الذي يقصده الرجال بأن قلبك أخضر، وهل كنت حقاً مختلفاً، ولكن الزمن لا يعود، لذا أتذكر تلك اللحظات المحدودة التي رأيتك فيها، سواء في حفل الزواج الذي عاتبت فيه بعض الشباب لعدم سفرهم خارج المملكة، أو لقاء في مناسبة كنت أنا برفقة والدي، وكنت تتحدث مع والدي بصوت منخفض، ربما عن بعض العقار، ربما شاهدتك مرة وأنا بصحبة حفيدك نلعب بالشارع، بقرب بيتك، كنت قادماً من سفر، كنت تلبس بدلة سوداء، شاهدت بعض الممثلين يلبسونها في بعض المسلسلات التلفزيونية، وبدت لي بنيتك الضعيفة جداً، لكنك تبدوا شاباً أنيقاً، حينها تمنيت أن أكون مثلك، وقتها كنت مفتوناً بقصة السندباد، ربما كنتَ آنذاك سندباد ذلك العصر، كنت في العراق والشام، قال لي ذلك حفيدك، في ذلك الوقت لم أركب الطائرة بعد، أتخيل البساط السحري، لكنك جئت من المطار بسيارة صديق لك استقبلك هناك، كنت أفكر أن لديك بساط سحري، تسافر متى أردت وحيث تشاء، بكل سهولة، في الوقت الذي نرى أن السفر إلى مكة القريبة من الطائف، تحتاج إلى بعض العناء، إلى أين تذهب، وماذا هناك، ولماذا تعاتب أولئك الشباب وتحرضهم على السفر، ربما بحثاً عن المتعة، أنا لم أعرف هذه الكلمة إلا بعد زمن طويل، ولكن بإمكان كل شخص أن يستمتع بوطنه، أنا الآن أعيش في زمن الترفيه المتاح، وأعرف أن أقصى حد للترفيه في زمنك، المشاركة في رقصة شعبية، هل لوكنت على قيد الحياة في هذا الزمن.. تسافر، أم ستبقى، هل توفرت الخضرة والماء والوجه الحسن، لم أصل بعد لعمر يماثل عمرك عندما عرفتك، وربما عندما كنتَ بعمري أي أصغر كثيراً، لم أكن وجدت في هذه الحياة بعد، هل كنت كما عرفتك لاحقاً، أم تغيرت عندما كبرت، يقول البعض، من يكبر يعقل، ولكن هل أصبح قلبك أخضر مع الزمن، أو منذ صغرك، أنا لا أشعر أن قلبي أخضر، مطلقاً، حتى أن الترفيه متاح حولي ولا يعني لي شيئاً، هل لديك نصيحة أو رأي حتى أشعر مثلك بالحياة لآخر يوم في حياتي، تذكرتك وأنت تشارك الرجال في حفل الزواج وهم يرددون « يا جر قلب جر لأدنى الغصوني.. وغصون سدر جرها السيل جرا»، أرددها الآن وأدعو لك بالرحمة.