يكتب نصوصاً شعرية، وهو سارد أيضًا، تجده مُحلقًا في نتاجه الواهج المنثال بين المساحات - ربما - وجد أنّ أصدق ما يمثل به الإنسان نفسه، بوحه الصادق، إذا ما أراد سبر مكنونه، فكتب «أنا ذلك الأمل الذي يُشع في زوايا الصَّمت، ويُغرِّد في مساحات الهمس، وينسج من الود لحنًا صادقًا. أُسافرُ في أفياء الحرف، لأنسج فيه ترياقًا وهمسًا مُتدفقًا..»
ضيفنا هذا العدد القاص (سيف المرواني) للحديث عن تجربته القرائية، وعلاقته بالكتب والإصدارات. في مستهل حوارنا تحدث: الكتاب زاد نستقي منه ما يشكل رصيداً معرفياً. ما أزال أتذكر حينما أهدى لي «صديق الوالد» -رحمه الله رحمة واسعة من عنده وأسكنه فسيح جنانه- وأنا في الصف السادس الابتدائي عدة كتب دينية من أبرزها كتاب (رياض الصالحين) وهذا أول كتاب أقرؤه. أما أوائل كتب اشتريتها فهي ثلاثة كتب: «النظرات» لمصطفى لطفي المنفلوطي، والثاني كتاب «وحي القلم» لمصطفى صادق الرافعي، ورواية «البؤساء» فيكتور هيجو.
وأضاف: ونظر للهفتي الكبيرة للقراءة، والاطلاع، فقد كنت أوفر مصروفي لاقتناء الصحف والكتب وأنا في بدايتي في المرحلة المتوسطة.
صاحب مكتبة رياض بأملج
وبالنسبة لأول كتاب استعرته، فله حكاية أخرى: لاحظ صاحب (مكتبة رياض) بمدينة أملج، أحمد حامد أبو عطى، مدى شغفي الكبير بالقراءة، واهتمامي، من خلال ترددي اليومي على المكتبة، وكانت من أقدم المكتبات لدينا. فقد كان يربت على كتفي، ويحثني على مواصلة التعليم والقراءة، ثم أجده يقول لي: «خذ أي كتاب يعجبك، أقراه، ثم أعده للمكتبة. فقط أرجو منك الاهتمام به ليكون على حالته لمدة أسبوع» وهكذا دواليك، ولا أنسى له صنيعه هذا ما حييت.
أول كتاب ألفته (صهيل الجداول) وذلك بعد إلحاح مستمر من الأصدقاء، بأن يكون لدي إصدار أدبي بعد رحلة استمرت في النشر، في الصحف السعودية، والخليجية، والتواجد في الساحة الأدبية والمنتديات لأكثر من عشرين عاما؛ إذ كانت اليد الطولى (لجريدة الجزيرة) وأخص القسم الثقافي، وخصوصا (د. إبراهيم التركي) والمشرفة على صفحة العطاءات الواعدة في ذلك الوقت (ناهد باشطح) فقد شدت «الجزيرة» من أزري، ودعمتني كثيرًا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن. وقد تمت طباعته أولا في مصر، لكن لم تكن الطباعة بتلك الجودة المطلوبة، ومليئة بالأخطاء - لم ترق لي - ثم قابلت الشاعر د. أحمد قران الزهراني، في مصر، وأشار علي بإعادة طباعته في المملكة العربية السعودية، وتولى الإشراف - بنفسه - على طباعته، وأخرجه، في حلة زاهية. جزاه الله كل خير، على ما أحاطني به وله مني جزيل الشكر، على وقوفه معي ومع كل المبدعين.
وعن الكتب التي واجه صعوبة في الحصول عليها قال «المرواني» لم أواجه صعوبات في شراء بعض الكتب من معارض الكتب إلا في النادر وخصوصاً «الكتب القديمة» جدًا، تجد أحياناً بعض الصعوبات في وجودها.
«دع القلق وابدأ الحياة»
وفي معرض إجابته عن سيطرة بعض الكتب على القارئ وتجربته القرائية التي أحدثت منه أو جعلت منه كمخلوق جديد، أوضح قائلاً: صحيح أن بعض الكتب تأسرك جداً، فتحلّق معها، في متعة لا تضاهى، خصوصاً تلك التي تجعلك ترتبط بها ولا تود أن تنفك عنها إلا بعد أن تلتهمها كاملة؛ وتعيش معها رحلة ماتعة تبهرك، فسلاسة الأسلوب الأخاذة مغرية جدا، والكتاب الذي خرجت منه بروح مختلفة هو كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) تأليف الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي،
وهناك بعض الروايات التي تسافر في عوالمها، وتبحر معها بعيدا مثل روايات نجيب الكيلاني، وغيره من المبدعين القدماء، والحاليين، وهم كثر. وهذه فقط مثالين لا على سبيل الحصر، فجمال اللغة وتمكن المبدع من جذبك وأن ترتبط بمنجزة الأدبي أو العلمي، وأيضاً في مجالات أخرى سواء القصص أو الشعر فمنها ما يهز داخلك لتنتشي بسعادة وتتمنى أن لا تنتهي، فالكتابة روح لها، وقعها في الذات، وصداها لدى المتلقي؛ حين يجد متعة لا توصف فيما حاكه ونسجه المبدع من أبداع في كافة جوانب الحياة.
وأوضح في جانب الرغبة أحيانًا لدى القارئ التدخل في إعادة صياغة سياق السّارد: أحيانا يخالطني هذا الهاجس، فأود تغيير وإعادة صياغة قصة أو رواية كتاب، لأني أرى أن تستحق «نهاية» أفضل مما آل إليه الكاتب، أو رسمها في مخيلته، وفي أوقات أخرى أقف في صف المبدع، وأرى أنها وجه نظر خاصة تحترم، ربما غابت عني في تلك اللحظة أو له وجهة مختلفة غير رؤيتي، نعم كم مرة تمنيت أن أعيد بلورة ما شكله الكاتب ليظهر بصورة أخرى أكثر تميزًا وإبهاراً.
أفكر في المتلقي
وبيَّن القاص سيف المرواني: أجد من الضروري جدًا أن يهتم المبدع بما يقدم للقارئ ويحرص عليه أشد الحرص ليلج إلى عوالمه من خلال العديد من العتبات والتي أصبحت من متطلبات الجذب، فهناك من يجد في العنوان مبتغاه، وهناك من تشده روعه الغلاف وجمال تصميمه، وآخر يطلع على ما دون على الغلاف الخلفي للكتاب، وهناك من يتفحص مضمون الكتاب، فحتما لأبد أن أسعى ليتقبل القارئ ما نسجته وليشعر بألفة من أول وهلة مع كتابي أو ما خطته أناملي، ولأبد أن تضعه دائما نصب عينيك ليحلق ويسعد بما انساب من عبير كحرفك في أي جانب أبداعي، وحين أفكر في إصدار جديد هاجسي الأول المتلقي فأضعه في ذهني لكي أستطيع العبور إليه وأدفعه لكي يبحر معي بسعادة بالغة ويجد ما يسره ويبهجه.
وقبل أن نصل نهاية حوارنا - وصية ضيف الزاوية للقراء - أوضح المرواني أنه من الصعوبة بمكان تحديد كتاب معين لينهل منه الجميع فكل واحد له توجهه الفكري الخاص به والذي يجد نفسه فيه وينطلق في حدوده وهناك من هو قارئ نهم يجد متعة في كل ما يقع في يده من أبداع، ولكل مجاله. فقط المطلوب أن يستزيد الإنسان من العلوم بقدر ما يستطيع ليكون له رصيد ثري من خلاله يتجاوز كل العقبات. وأضاف: ولكن أنصح بالكتاب المحكم التنزيل القرآن الكريم بتدبر آياته وتأمله وتفسيره، فهو جامع لكل شيء فيه تجد كل ما تبحث عنه في كافة مجالات الحياة، وهو غاية في البلاغة.
** **
- محمد هليل الرويلي