(استكمال 3)
المقوم الرابع للفن هو المأسسة. المقومات الثلاثة التي تحدثنا عنها سابقاً؛ أي المقدرة الفنية وتوظيف المقدرة والموقف الاجتماعي؛ كلها تتعلّق بالفنان كفرد. أما المأسسة فهي مهمة الدولة ولا أقول المجتمع!
لا يمكن للفنان كفرد أن يبدع ويطور إبداعه ويصقله دون عمل جماعي ممأسس. فإذا كان الفن مرتبطاً عضوياً بالثروة المعرفية وبالصراع بين ظالم ومظلوم، فلا يمكنه أن يكون فاعلاً اجتماعياً دون العمل الجماعي. ولكي تتضح الصورة لابد من طرح السؤال: ما هي المأسسة؟
المأسسة تبتدئ بالتربية! فحسب التقديرات العالمية أن 20 % من التربية يقع على عاتق العائلة، و80 % يقع على عاتق المجتمع! والمقصود بالعائلة هنا واضح؛ أي العائلة الصغرى التي تضم الأبوين والإخوة والأخوات؛ والعائلة الكبرى التي تضم الأقارب والمعارف والأصدقاء. أما المقصود بالمجتمع هنا هو التعليم: ابتداء من الحضانة والروضة إلى الجامعة والدراسات العليا.
قد يقول بعض الآباء: طالما أن المجتمع تقع على عاتقه الجزء الأكبر من التربية، فأنا لا أستطيع أن أتحكم بسلوك أو «مواهب» أولادي!.. مثل هذا القول هو ليس تخلي عن التربية وحسب، إنما هو انحطاط قيمي وأخلاقي! فلا يمكن أن يكون ولدك مدمن مخدرات أو سارق أو قاتل، وأنت تخلي مسؤوليتك عن ذلك وترمي اللوم على المجتمع! فمن المفترض أن الوالدين هم من يضع الأساس الديني والقيمي والأخلاقي لأبنائهم، وكذلك تمكين الذرية من التعامل حتى مع المؤسسات التعليمية.
التربية المجتمعية تتعلق بالتعليم أولاً، الذي يتطلب إنشاء المؤسسات التعليمية عدداً ونوعاً. أي المدارس والجامعات ومن ضمنها؛ كليات الثقافة والفنون؛ حسب التعداد السكاني ومتطلبات «التنمية البشرية».
وبالإضافة إلى التعليم هناك عمل مؤسساتي موجه لـ«تنمية المواهب» وهو: إنشاء وتنشيط الإعلام، الذي يضم الصحافة والتأليف والتسويق والمكتبات العامة وما إلى ذلك. أما إنشاء وتنشيط النوادي الأدبية ومعارض الفن التشكيلي ودور السينما والمسرح والمهرجانات المشجعة للأعمال الفنية وتخصيص الميزانيات والجوائز المشجعة، فهو الذي يسهم بفاعلية عالية لرفع قيمة الأعمال الفنية كماً ونوعاً.
إذا كان الفن يحمل صفة محلية لمجتمع ما، فهو كذلك يحمل صفة عالمية. والجميع يعلم أن هناك مهرجانات عالمية تقام في عدة دول، توزع فيها جوائز قيمة وشهادات توثيقية للعمل المميز. ولكن هناك مسألة في غاية الأهمية: هو أن تلك الأعمال المميزة لم تنل هذا التقييم إلا لأنها نشأت في بيئة فنية «محلية» ممأسسة ومزدهرة.
بهذا أكون قد أنهيت سلسلة مقومات الفن من وجهة نظري الخاصة، وسأكون في غاية الامتنان لمن يضيف أو ينتقد أو يشير إلى زوايا لم ألحظها.
** **
- عادل العلي