عبد الله سليمان الطليان
الأسرة مدرسة الفرد الأولى وبيئته المصغّرة التي يتلقى فيها الكثير من الدروس المختلفة عن الحياة تكون أحياناً موجهة وأخرى عفوية وتلقائية، هذه الدروس تعكس ثقافة الأسرة بطبيعة الحال ومدى التعامل مع الواقع الذي تعيشه، ولقد عملت الدراسات والبحوث الكثيرة عن الأسرة وأثرها على الفرد من جوانب متعدِّدة، سوف أعرج على كتاب تطرق فيه عالم النفس النمساوي الفرد ادلر إلى أهمية الأسرة وهو كتاب عنوانه (معنى الحياة) الذي ركز فيه بشكل كبير على دور الأسرة والأثر الذي يحدث من قبل الأب والأم في تكوين شخصية الفرد سواء ذكر أو أنثى، الذي أعطى فيه للأم دوراً قيادياً لأنها هي الأقرب إلى الفرد فهي ترعاه منذ قدومه إلى هذه الدنيا وفي مراحل عمره الصغيرة وحتى إلى مراحل متقدِّمة من عمره.
يركِّز ادلر على مسألة (التعاون) وأنها المفتاح الرئيسي نحو إيجاد فرد صالح في المجتمع، الذي إذا فقده الفرد فإن فرصة النمو والتطور لديه لن تتم بصورة طبيعية، وسوف أشير إلى جزء من دراسة قام بها ادلر في الظروف التي تجعل الفشل في (التعاون) أمر شائع الحدوث بشكل مختصر، والتي عنونها بالتأثيرات المبكرة على التعاون، فذكر أولاً الجو العائلي الذي قال إن كثيراً من الأحيان تقع المسؤولية على عاتق الوالدين، إلا أن الوالدين قد يكونان على درجة غير كافية من المهارة تجعل الأطفال يرغبون في (التعاون) معهما فربما تصرفا بطريقة متكبرة جداً جعلت الجميع غير قادرين على مساعدتهم أو أنهم غير قادرين على التعاون وهذا يمكن رؤيته بوضوح في العائلات التعيسة والزيجات المحطمة.
إن الرابطة الأولى التي تنشأ بين الأطفال تكون بينهم وبين الأم وربما تكون هذه الأم غير راغبة في توسيع اهتمامات أطفالها لتشمل الأب والأطفال الآخرين وغيرهم من البالغين في المجتمع من حولهم، أو ربما يكون الطفل نفسه هو السبب فقد يشعر بأنه مركز العائلة والمحور الذي تدور حوله، وعندما يبلغ الثالثة أو الرابعة من عمره يولد طفل جديد ويشعر الطفل الأول بصدمة فهو لم يعد المحور الذي تدور حوله العائلة، لهذا يرفض التعاون مع أمه أو الطفل الجديد، يقول ادلر إنني أجرؤ على القول بأننا لو اقتفينا أثر المشاكل التي تعرَّض لها المجرمون في قصة حياتهم لوجدنا أنها دائماً ما تنتهي بنا في التجارب التي مروا بها خلال الفترات المبكرة من حياتهم الأسرية، ويضيف عندما يصل الأطفال الذين يفتقدون القدرة على التعاون إلى مرحلة دخول المدارس فإنه يمكن أن عجزهم على (التعاون) ظاهراً بوضوح في سلوكهم في اليوم الأول للدراسة، فإننا نجدهم عاجزين عن خلق الصداقات كارهين لمدرسيهم غير قادرين التركيز ولا يستمعون إلى دروسهم، وأكثر من هذا فإنه إذا تمت معاملتهم بأي شيء غير الحساسية التامة والتفهم الكامل، فإنهم قد يعانون من صدمة خاصة عندما يتم توبيخهم أو عقابهم بدلاً من تشجيعهم وتعليمهم التعاون. وغالباً ما سنجد في حياة المجرمين السابقين أنه في حوالي الثالثة عشرة من عمره كان ضعيفاً في الفصل، ويتم توبيخه ونقده بعنف لغبائه، وهو ما تسبب في تعرّض حياته المستقبلية بأكملها للخطر.
ثانياً: الفقر، يقول ادلر إن الأطفال الذين يأتون من بيوت فقيرة يتعرضون لكثير من التمييز والتفرقة الاجتماعية خارج بيوتهم، وأن عائلاتهم تعاني الكثير من الحرمان وتتعرّض للكثير من المصائب والمحن، فيضطرون إلى الخروج إلى معترك الحياة والعمل مبكراً جداً بغرض المساعدة والديهم، ويحتكون بأناس أغنياء يعيشون الحياة السهلة ويستطيعون شراء أي شيء يشتهونه، الذي ويولد لدى الأطفال الشعور بالغبن وعدم عدالة الظروف المحيطة، فيندفعون إلى الوقوع في الجريمة بهدف تحقيق التفوق عن طريق الحصول على النقود بأي طريقة وبدون العمل لاستحقاقها.
ثالثاً: الإعاقة الجسدية والنظرة (الدونية) يقول ادلر لا يجب وضع اللوم على الإعاقة الجسدية، بل إن اللوم كله يقع على طرقنا في التعليم، فلو أننا اتبعنا الطرق الصحيحة لأصبح الأطفال ذو الإعاقة الجسدية أكثر اهتماماً بالآخرين وبأنفسهم على حد سواء، إن الأطفال الذين يحملون عبء الإعاقة الجسدية يصبحون أنانيين فقط عندما لا يجدون أحداً بجانبهم ليساعدهم في إنماء وتطوير اهتماماتهم بالآخرين.
رابعاً: الإعاقة الاجتماعية، يتحدث ادلر عن هذا التأثير وهو بطبيعة الحال يشير إلى المجتمع الغربي تحديداً الذي يكثر فيه الأطفال الأيتام وكذلك الأطفال غير الشرعيين بنحو كبير، ويقول إن هناك الكثير من الأطفال غير الشرعيين الذين لم يجدوا أحداً يحاول اكتساب حبهم واهتمامهم وتحويل هذا الحب وتلك الاهتمامات إلى باقي البشر، فإن هؤلاء الأطفال غير المرغوب فيهم كثيراً ما يلجأون إلى الجريمة خاصة إذا أصبحوا على يقين بأنه لا يوجد من يحبهم أو يرغب فيهم.
حاول ادلر إعطاء حلول لمشكلة الجريمة التي تهمنا هنا التي يقول فيها إن المهمة ليست سهلة، وأن السير على النمط القديم القائم على مناقشتهم والجدال معهم ومحاولة إقناعهم بخطأ طرقهم السابقة أمر غير مجد، وإذا أردنا تغييراً حقيقياً فيهم فإن من الواجب علينا أن نحاول إيجاد جذور المشكلة والتعرّف على السبب الذي جعلهم يفكرون بهذه الطريقة، كما يجب علينا اكتشاف المنطقة التي بدأ فيها الفشل والظروف المحيطة التي دفعتهم إلى هذا الفشل.