عطية محمد عطية عقيلان
كلمة «مشي» لها العديد من المترادفات في لغتنا، وتعطي نفس المعنى لكيفية التعامل وردات الفعل، فهي تحث على عدم التدقيق في كل صغيرة وكبيرة ومع كل موقف أو حديث يصلنا، وتعد ميزة إيجابية في فن التعامل مع الآخرين والأحداث، وتحتاج منا إلى تدريب وتمرن وتعود، لكي تضبط ونتحكم في ردات أفعالنا والتعليق عليها وتصبح نمط حياة، مع القناعة والأيمان بأن التغافل من أهم أسباب النجاح والاحتفاظ بعلاقات سوية مع الأقارب والزملاء دون انقطاع، وتدخل كلمة «مشي» من باب التغافل والتغاضي والتسامح والعفو، وتتطلب منا المداومة على رفع لياقتنا الانفعالية وردات أفعالنا اللفظية والفعلية، وتعديل السلبي والمدقق في كل شيء منها، والبداية تكون بنهج عدم التدقيق، باستعراض ثقافتنا ومعلوماتنا في كل قصة وخبر، بل نفعل مبدأ «التفويت» في المجالس بما يحكى من قصص وأخبار، فنحن لسنا محققين أو قضاة، وكأننا نقوم بمهمة جوجل في تقصي الحقائق واكتشافها وتعديلها مع كل «سالفة» وحديث عابر، لأن التدقيق سيؤدي إلى تعكير علاقاتنا وتتحول إلى مشاحنات وتصيد أخطاء، مع صعوبة ذلك على الطبيعة البشرية خاصة لمن يتعمدون إيذاءنا وتصيد أخطائنا، وهذه النوعية من العلاقات المؤذية، قد يستفحل أذاها، عند ممارسة التغاضي معها، لذا تحتاج إلى قرار بالابتعاد عنها أو أضعف الإيمان التخفيف منها قدر المستطاع، ولكن جل علاقاتنا سواء الوطيدة أو الخفيفة تحتاج لتفعيل مبدأ «مشي» للحفاظ عليها، ونلمس أفضل النتائج عندما يتحلى المسؤول أو المدير أو كبير العائلة بهذه الصفة، لأنها ستنعكس على استمرار الود والعلاقات الطيبة بمن حولهم، فالمدير الذكي يحرص على إشاعة التغاضي والتغافل والتسامح بينه وبين فريق عمله، وذلك بممارستها وتفعيلها في سلوكه وردات فعله معهم، وهذا يرسخ الاهتمام بهم واحتوائهم، ويزيدهم ولاء وتركيز على الإنجازية والنتائج الإيجابية، لأن البيئة صحية يسود فيها التعاون والمثابرة والمساعدة، بعيدا عن مقولة «فرق تسد»، التي ثبت فشلها، لأنها دوما تنتج فريق عمل متنافر متطاحن غير منجز خاصة على المدى البعيد، ومن التجارب المؤثرة والمفيدة في تطبيق «مشي» هي ما قام به د.غازي القصيبي عندما كان يدرس في الجامعة، بمنحه 10 % من الدرجات للطلاب بعد الانتهاء من التصحيح، خاصة للذين يحتاجونها للوصول الى درجة النجاح، وأصبحت كلمة يتداولها مع زملائه للتحفيز على التسهيل والمساعدة للطلاب، لذازيزي الأب والمدير والصديق والزميل «مشي»، ولن يضرك أن تتغاضى وتتغافل عن بعض الزلات لكل من يهمه أمرك أو لكل عمل تريد أن ينجز، فجميعنا نردد أن الكمال لله وحده، ولن يزيد منا شيء عند تكذيب أحدهم أو مسك زلة عليه أو اكتشاف خطئه، ولن ينقصنا شيء عند مدح صاحب معروف أو موقف إيجابي أو إنجاز لأحدهم، ولا بد من تفعيل «لا تدقق» ذلك كثيرا عند النقاش الرياضي وتقييم الآخرين والحكم على سلوكياتهم، فلنطبق معهم أقصى درجات التغافل والتجاهل والتسامح، وتجسد كلمة «مشي» في قول مالكوم أكس «إذا لم تتقن فن التجاهل، ستخسر الكثير، وأولهم عافيتك» وأيضا موجودة في المقولة الشعبية المتداولة «طنش تعش تنتعش»، فالسعادة وراحة البال في تطبيق ذلك والتعود عليها والتدرب على ضبط ردات أفعالنا لإجادة هذا الفن في التطنيش، وستعود علينا بالراحة النفسية والصحية، وكما يقال «كبر رأسك» ترتاح وتريح، مع التأكيد أن التطنيش أو التجاهل أو التغافل لا بد ألا تمارسه ويكون مع من يسيئون لديننا وأوطاننا ومبادئنا، فهذه ثوابت لا تتزحزح ولا يفيد فيها سوى الحزم والتدقيق، ونختم ببيت شعر لأبي تمام عن أهمية التغافل والتغابي عن الزلات:
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي