عطية محمد عطية عقيلان
تجسد قصة الأمريكية اليزابيث هولمز، واقعا لكيفية تحقيق النجاح والثروة بناء على ابتكار مضلل وغير علمي، حيث كانت تعتبر إليزابيث رائدة أعمال وأصغر مليارديرة في العالم حسب مجلة فوربس عام 2014م، فقد أنشأت عام 2003م شركتها، وعمرها 19 عاما، وأدعت القدرة على إجراء فحص دم يمكن التنبأ بالأمراض مبكرا لتفاديها، ولاقت رواجا وسط المستثمرين ورجال السياسة والإعلام، واستطاعت شركتها جمع ملايين الدولارات من رجال أعمال وسياسيين بارزين، ولم تكن تبحث عن الأضواء والشهرة الإعلامية بل كان هدفها توسيع شركتها وانتشارها، وغدت شركتها عام 2014م قيمتها تقدر بـ10 مليارات دولار، وثروتها بـ6 مليارات دولار، وكانت أمورها تمشي بشكل سلس وخطوات ثابتة، لا سيما بوجود شخصيات سياسية ورجال أعمال مستثمرين وداعمين لها، مثل هنري كيسنجر وقطب الإعلام مردوخ وعائلة والتون مالكة ولمارت، ولكن كان هناك تشكيك علمي في دقة الفحوصات وصحتها، وتم إثارة ذلك صحفيا، وبدأت تحقيقات حكومية في عام 2018م، وتم توجيه تهم لها بالاحتيال على المستثمرين وعلى الأطباء والمرضى، وقد أدينت في حكم صدر بداية عام 2022م وبمحاكمة استغرقت ثلاثة أشهر، حيث وجدها المحلفون، مذنبة في أربع تهم، وعقوبة كل واحدة منها 20 سنة، ليسدل الستار على نهاية قصة أصغر امرأة عصامية، حققت نجاح وثروة من خلال اختراع واكتشاف ثبت عدم صحته، وتستحضر قصتها بالكوميديا في اختراع «الفنكوش» في فيلم واحدة بواحدة لعادل إمام، والطريف أن المحامين لهولمز، قبل بدء المحاكمة أفادوا أنهم سيقدمون مرافعة للدفاع عنها تستند إلى أن عشيقها السابق راميش سيطر عليها عاطفيًا وأثر في قراراتها وذلك أثناء فترة ارتكابها الجرائم، وأن هذه السيطرة أثرت في قدرتها العقلية والعاطفية، أي أن الدفاع ركز على أن عشيقها هو من تلبسها وأثر في قراراتها، وهذا يستدعي القضية الشهيرة للقاضي، الذي أدعى أن جني تلبسه وسحره وسيطر عليه، في التهم الموجهة إليه بخصوص التزوير والرشوة، وأدعى أن أقواله وأفعاله إنما هي من أوامر الجني الذي يتلبسه، وذلك للخروج من المخالفات التي ارتكبها، وقد يجد بعضنا هذه التبريرات مضحكة وساذجة وغير عقلانية، ولكنها لن تتوقف، ودوما سيبحث المتهم عن مخرج لبراءته سواء بالسحر أو التلبس أو السيطرة أو الكذب والانكار والتبرير بالمظلومية والاضطرار.
طبعا ما نقوم به من تبرير أفعالنا، هي حيل نفسية تستخدم من أغلب الناس، للشعور براحة الضمير، عند ارتكابه مخالفة أو تجاوز أنظمة أو القيام بسلوك شائن، وهذه التبريرات غالبا لا تشمل لوم النفس، وكما رأينا كيف أن قاضيا أو محامين يبحثون عن ثغرات غير ملموسة لبراءة أنفسهم أو وكلائهم، وذلك لا يرتبط بتطور مجتمع أو درجة علمية للجاني، للبحث عن شماعة لتبرير ما ارتكبوه من مخالفات، وتجاوزات مالية أو قانونية، بل نرى كيف نتلون ونتناقض في إصدار الأحكام على الأفعال بناء على من ارتكبها وليس الفعل نفسه، مع التسليم بأن الخطأ سمة بشرية جبل الإنسان عليها، وهذا يستحضر مقولة الروائي تولستوي «ارتكاب الخطيئة عمل إنساني، لكن تبرير تلك الخطايا عمل شيطاني»، والمستفاد من مثل هذه القصص للمحتالين سواء بأفكار جديدة وبراءات اختراع أو عوائد مجزية، هي قدرتهم على إقناع رجال أعمال ناجحين ولديهم القدرة على التمييز، ولكنهم انخدعوا رغم ذلك، لذا عزيزي القارئ لا تحمل نفسك وتلومها على ما وقعت فيه من غش أو نصب أو احتيال في مشروع تجاري أو سهم أو استثمار عقاري، ولتؤمن أن المغامرة والبحث عن الفرص في الحياة لا تتوقف على تجربة فاشلة أو أكثر، لا سيما إذا كانت مما يتم ادخاره من دخل، وكما يقول برنادشو» النجاح ليس عدم فعل الأخطاء، النجاح بعدم تكرار الأخطاء».