سليم السوطاني
أتعجب من الجملة التي يقولها الطبيب عن أحد مرضاه: «حالة المريض سيئة جداً، وربما يموت في أيِّ وقت»! هذه الجملة يقولها معظم الأطباء، وتدخل اليأس إلى قلب المريض أو المرافقين له، ولا نعلم؛ هل هي من باب المهنية الطبية أن يقولها بالطريقة تلك؟!
سألتُ بعض الذين يعملون في هذا المجال، فكان ردهم: «إن الطبيب يتحدث بكل واقعية عن حالة المريض لأقاربه، ولا يعطي أهله أملاً قد يتلاشى أمام الموت»!
والسؤال الذي أطرحه هنا: هل هذا التعامل عندنا فقط، في العالم العربي، أم في جميع أنحاء العالم؟!
وهل هذا الشيء، من الجانب الإنساني، يعد أمراً صائباً؟
من خلال قراءاتي - وتحديداً في أوربا - يسعون منذ القدم إلى التطور في مجال الطب، ويسعون جاهدين إلى أن ترسيخ مفهوم «أن المرض مشكلة لا بد من حلها»، وهذه الثقافة منتشرة بين أكثر الأطباء، بل إنهم ذهبوا أبعد من ذلك، من خلال الدراسات العميقة والأبحاث، ولم يتوقفوا في هذا المجال، تحت قاعدة طبية: «محاولة تأخير الموت وإعطاء الحياة للمرضى»؛ بمعنى أنهم، من خلال الدراسات والبحث، نَمَتْ «ثقافة التحدي» بأن يتَحَدُّوا المرض مهما كانت التعقيدات وازدادت الحالة سوءاً وصَعُبَ علاجها، فلا يقفون مكتوفي الأيدي بل يقاومون إلى آخر لحظة في حياة المريض ويحاولون مساعدته بشتى الوسائل الطبية الممكنة للاستمرار في الحياة أو العودة إليها في لحظات حاسمة من فقدانها.
نعلمُ أن الموت من طبيعة الحياة ونهاية لا بد منها، لكن الأمر الذي يسمح للطبيب بتحديد اقتراب الموت، وأن المريض حالته سيئة وميئوس منها، وأنه ميت لا محالة، يمكنه أن يغيّر هذا الآخر ويزرع التفاؤل ويجتهد في معالجة مريضه.
فلماذا لا تتغير هذه الحقيقة الصادمة إلى بصيص أمل ومحاولة لإيجاد الحل للشفاء، مادام المريض بين يدي الطبيب، وقلبه مازال ينبض ويعيش لحظاته في الحياة؟ لماذا يُحكم عليه بالفناء وهو مازال يسمع ويشعر ويحس؟!
من وجهة نظري، إن الطبيب الذي يحكم على مريضه بالموت، قبل حينه وقبل البدء في علاجه، وليس لديه رغبة في محاولة مجابهة صعوبة الحالة واستعادة المريض صحته وعافيته.
لماذا الاستسلام المبكر؟
عندما يخبر الطبيب أهل المريض بأن الحالة ميئوس منها، وأن مريضهم على عتبة الموت، فإن هذا يوحي بأن الطبيب سيقف بجانب المريض وأهله عاجزون ينتظرون معجزة للشفاء، وهذا الأمر لا يُنتظر من الطبيب الذي يرى النَّاس فيه الأمل للخلاص من المرض.
فكم من مريض حكم عليه الطبيب بالموت وخرج معافى سليماً يمشي على قدميه؟!
أرى أن هذه الثقافة، التي تولدت عند الأطباء، بعيدة كل البعد عن الإطار الإنساني، فأصبحت المستشفيات مكاناً تفوح منه رائحة اليأس والكآبة والموت، ولذا دائماً نجد غالبية كبار السن يخافون من الذهاب إليها مهما كان ألمهم ووجعهم.
مهمة الطبيب الناجح أن يعطي الإنسان الأمل، ويجتهد في تحقيقه، ويطور نفسه، ويرصد كل الحالات لمرضاه، ويطور قدراته، ويبحث دائماً في سبيل خدمة الإنسانية. لا بد أن تتغير هذه القاعدة البائسة عند بعض الأطباء، وإعطاء المريض الأمل حتى يتعافى معنوياً في أقل تقدير إن شاء الله.