إنه ليس ثمة مسوغ مقبول لانجراف المرء في التسابق على إرواء حاجات الجسد، ما دام يعتقد أن الآخرة هي دار العيش الحقيقي، وما دام يعتقد أن الله تعالى سائله عما استخلفه فيه من مال، وما دام يعتقد أن حماية البيئة والمحافظة على موارد الأرض من مسؤوليات المسلم.
ويبقى السؤال قائماً: هل نحن نعيش الآن عصر العيش الصعب؟!
كيف يستقيم أن نشكو من صعوبة العيش في زماننا، ونحن نرى أشكال الخيرات وأنواع المرفهات وأصناف النعم، كما نرى سهولة الاتصال والانتقال وانتشار المؤسسات التعليمية والتربوية وتعدد الخيارات أمام الإنسان في كل شأن من شؤون الحياة.
إن كل هذه الأشياء، لا ينبغي أن تُرى من خلال منظور محدود ونظرية ضيقة أو من خلال رؤية بعض الناس وإنما من خلال معايير قيمية وضوابط توازنية وإذا استخدمنا معايير بهذه السمات، فإننا سنجد أن قسمًا كبيرًا من سكان الأرض، لا يتمتعون بكثير من خيرات العصر الحديث، ولكن تحترق قلوبهم بسبب الصور التي يرون فيها تنعم المترفين وتطلعات المتخمين، كما يرون بؤسهم الشديد من خلال مشاهدة الهوة التي تفصل بينهم وبين سكان العالم الصناعي.
في العالم، كما يفيد تقرير منظمة الفاو أكثر من مليار نسمة لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وفي تقرير آخر فإن 63 في المائة من سكان آسيا و61 في المائة من سكان إفريقيا و36 في المائة من سكان أمريكا اللاتينية و33 في المائة من سكان الشرق الأوسط، يواجهون حالة الجوع.
يقول الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه البديع «عصرنا ملامحه وأوضاعه»: إن المقارنات تأتي دائما بمفارقات. ففي الماضي، كانت هناك فوارق بين الناس في مستوى العيش، لكنها كانت فوارق محدودة. أما اليوم، فمأساة الفقراء والجياع والمحرومين أنهم في مواجهة الحياة المتفاقمة، أشبه بمن استعد بقوس وسهم لمواجهة خصم مسلح بالدبابات والصواريخ!
إن الناس الذين يقارنون أنفسهم بمن هم أعلى منهم، هم على خطأ، إذ من الواجب في أمور الدين أن ينظر المرء إلى مَنْ هو دونه، حتى يستشعر نعمة الله تعالى عليه. وللأسف؛ فإن شح الموارد قد حمل كثيرًا من الناس على الاختلاس وقبول الرشوة واقتراف الكذب والاحتيال وإراقة ماء الوجه وتحمل الجور والهوان، بل صار كثير من المسلمين يعيش حياة هي أقرب إلى حياة النبات، هو يأكل ويشرب ما يتيسر له ويتنفس ويتكاثر ثم يموت!
في أكثر بلدان العالم الإسلامي يحتاج الموظف متوسط الدخل إلى أن يدخر كل مرتباته التي يتقاضاها خلال عشرين سنة، حتى يتمكن من امتلاك بيت يؤويه مع أسرته! فكيف إذا علمنا أن مرتبه لا يكفيه للإنفاق على حياة شبه كريمة سوى نصف شهر، ويدِّبر نفقات باقية عن طريق الاقتراض والاستدانة!
وتظل مشكلة المشاكل بالنسبة لكثير من الشباب هي البطالة الضاربة أطنابها في معظم الدول الإسلامية، والآخذة في التفاقم، حيث الركود العام وصعوبة الحصول على عمل ذي أجر مناسب، حتى قال أحد الباحثين: إن هناك أجيالاً قد تولد وتعيش وتموت، دون أن تجد عملاً ملائماً!
وإذا تأملنا مرة أخرى في المسافات الفاصلة بين الشعوب الإسلامية والصناعية، وجدنا أن تلك المسافات تزيد والهوة تتسع. فعلى حين ترتفع أسعار منتجاتهم بصورة مطردة، فإن أسعار صادراتنا تتدهور أو تتجمد وهذا يعني أنه يحب أن نصدِّر أكثر حتى نستطيع الحصول على عين القَدْر من الواردات.