م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. يقوم مفهوم الهوية على الثبات.. ومصطلح الثبات هنا تشكّل في مفهومنا على أساس أنه الثبات على المبدأ الذي لا تغيّره المصالح أو المخاوف.. فتَحَوَّل الثبات إلى عقيدة.. واقترن المصطلح بالإكبار والإجلال وأنه يعني القوة والعزيمة وكل مفردات الثناء التي يبحث عنها الإنسان بفطرته.
2. رغم أن المجتمعات العربية منذ نصف قرن تنحدر حياتها وبشكل متسارع إلى الحضيض الاقتصادي والتفكك الاجتماعي.. بسبب التخبط السياسي الذي وصل في بعض حالاته إلى جرائم ضد الإنسانية شملت التهجير والترحيل والسجن أو الإبادة.. توقفت خلالها التنمية وعاد المجتمع المصاب إلى مستويات بدائية.. فتغلبت الأمية والفقر على معظم مكوناته، وانتشرت العنصرية والتطرف بين شبابه، وقامت العداوات بين فئاته وطبقاته.. رغم كل ذلك إلا أن هناك من لا يزال يطالب بالثبات على الهوية!
3. كثير من المجتمعات العربية اليوم ترسف في أغلال الجهل والفقر والتخلّف ويعيشون في القاع تحت ظل حكم قمعي متعسف.. وهم في هذه اللحظة من الزمان في أشد حالات العجز والوهن والاضطراب.. والأفق أمامهم حالك مسدود وليس لهم خيار سوى الفرار من بلادهم واللجوء إلى أرض الله الواسعة.. يعانون من قلة الحيلة، وضيق ذات اليد، والخوف على أنفسهم، واليأس من مستقبل أبنائهم.. إنهم يعيشون حالة شتات وتفكك وهزال يكاد يقتلهم.. ومع هذا تجد من يتحدث لهم عن الهوية العربية وضرورة التمسك بها!
4. هوية وثقافة أي مجتمع ما هي سوى استجابة للواقع المعيش.. والمجتمعات العربية اليوم تقع تحت تأثير التدمير الممنهج لمعيشة وحياة أفرادها.. حيث تتضاءل أهمية الهوية أمام الحاجة للعيش السوي وسد الحاجات الأساسية المطلوبة التي يعاني من نقصها أغلب المجتمعات العربية.. يشكون في نهارهم الخوف ويشكون في مسائهم العَوَز.. فمعظم المجتمعات العربية اليوم على خط الفقر.. ويعيشون تحت التهديد بشكل دائم.. يصارعون على البقاء ذاته ناهيك عن التفكير في ثقافة المجتمع وهويته.
5. وأفراد المجتمعات العربية المُنْتَهَكَة والمُنْهَكَة يتساءلون بوجع: عن أي هوية يمكن أن نتحدث ونحن نعيش الفقر والجهل والخوف؟ وأي ثقافة نريدها ونحن يقودونا المغامرون والأفاقون والقراصنة؟ نحن فقط نريد أن نعيش.. فقط نريد أن نبقى على قيد الحياة لأننا نخاف من الموت وما بعده.. لا تسألونا لماذا نخاف من الموت رغم أن ما نعيشه أسوأ من الموت ذاته، لأننا سوف نجيبكم إنها غريزة حب البقاء التي تمنعنا من الانتحار.. فنحن في يومنا نعيش كالحيوانات نَفِرّ من حتفنا إلى حتفنا.. فالموت أكرم لنا لكننا نفر منه ولا ندري لماذا؟!
6. الهوية هي أولى ضحايا انهيار المجتمعات العربية وتفككها.. والواقع المتردي لأي مجتمع بسبب الاقتصاد أو السياسة أو الحروب الخارجية أو الأهلية أو المذهبية أو حتى الكوارث الطبيعية كلها تؤدي إلى تفكك المجتمعات.. وتصبح أولويات أفرادها هي البقاء أحياء وتجاوز ضنك العيش.. وتتراجع قضية الثقافة والهوية إلى الصفوف الخلفية.
7. الهوية تصبح عبئاً على من لا يجد لقمة عيشه أو يستطيع حماية نفسه.. لذلك فإن تحميل الهوية مسؤولية مشروع قيادة المجتمع نحو النهضة والتقدم تجاوز غير منطقي لدورها.. فالهوية نحن العرب الذين نصنعها وليست هي التي تصنعنا.. وإذا كنا نحن الصُنَّاع العرب قد سقطنا ضحية لانهيار المجتمع فمن باب أولى سقوط كل ما نصنعه بما في ذلك الهوية.