الثقافية - جابر محمد مدخلي:
أصدر الأستاذ الدكتور مجدي الخواجي، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجازان، كتابه «المحكي السردي وتمثلات المكان المقدس من الوصف إلى التأويل»، عن دار النابغة للنشر والتوزيع، وتسعى هذه المقاربة النقدية -كما وصفها الخواجي- نحو الإصغاء إلى تمثلات المحكي السردي للمكان المقدس في رحلته المتنامية من الوصف إلى التأويل، وتروم ذلك عبر محورين أساسيين: أولهما يتعلق بمفهوم المحكي السردي في تعالقه مع تلك العوالم السردية، سواء المجهولة منها أو المعلومة، السعيدة أو الحزينة، السطحية أو العميقة، الخيالية أو الواقعية، وكيف ينقل إلينا التعايش معها في بحبوحة من اللهفة الجارفة والشغف المتتابع بجمالياتها.
لذلك، ليس مصادفة أن نرى الدلالة الاصطلاحية تحوم في هذه المقاربة حول التوظيف الجمالي لمادة الحكي ومدى فاعليتها في بناء المعنى وتجسيد الظواهر الثقافية والاجتماعية والحضارية المنوطة بالمكان المقدس ذاته؛ بعيداً عن آلية النقل الوصفي إلى تأويل فنيّ للعلامات والرموز والأحداث. على حين يرفدنا المحور الآخر بمعطيات المكان المقدس بدءًا من جانبه الروحي، وليس انتهاء بجوانبه التاريخية والحضارية والإنسانية المستوحاة بدورها من طبيعة ذلك الفضاء ورحابته. وهنا يكمن الهدف الأساس لهذه الدراسة.
ولنا أن نتساءل مع الكاتب: ما الملامح والظواهر التي يمكن أن تقدمها تمثلات المحكي السردي لهذا المكان المقدس؟
لأجل تقريب الإجابة ومحاولة تلمس الرؤى والنظرات حول فرضية الدراسة، سعت المقاربة لاستكشاف تلك الظواهر من خلال مدونات سردية ثلاث، كُلّ منها تمثل محيطاً زمنياً مغايراً ورؤية سردية مختلفة، مع اتفاقها جميعاً على وحدة الهوية المكانية، وعلى مستوى المبدعين وطناً وانتماءً.
وقد اختار المؤلف مكة المكرمة نموذجاً لاستجلاء حكائيتها واستدعاء مكوناتها الجمالية ذات الكثافة السردية المنوطة بالبنية العامة للحكي.
ولعله بهذا قد وضع أيدينا في مقاربته هذه على بعض من مفاصل تلك التمثلات الذهنية، وأتاح فرصة للمحكي السردي أن يقول كلمته، ويجسد نظرته، ويطرح رؤيته بكل شفافية وعمق حول طوبوغرافية المكان المقدس وهويته.