عن دار نسناس للنشر صدر كتاب (السيرة الكاملة للشاعر بديوي الوقداني وقصائده الفصحى والنبطية) وهو من جمع وتحقيق عثمان بن عبدالله الوقداني، ويعد هذا الكتاب أول كتاب يصدر عن هذا الشاعر الذي قال عنه خير الدين الزركلي: (.. ومن أكثر شعرائهم أخبارًا وأوفرهم أشعارًا ناظم الفنين القريض والحميني المجيد فيهما معًا الشيخ بديوي الوقداني من قبيلة وقدان كان في بدء أمره مشهورًا بنظم الحميني ثم قصد مكة فقرأ قليلاً من النحو والأدب وعاد إلى البادية فنظم القريض وفاق فيه أقرانه).
وقال عنه المستشرق الهولندي كريستان سنوك هور خرونية (صورة ما رثى به الأديب الفائق الندى الشيخ بديوي الوقداني السعدي سيدنا الشريف عبدالله باشا باعتبارها عينة لأفضل نتاج أدبي في الحجاز).
كما أثني المؤرِّخ أحمد الحضراوي على شاعرية بديوي فقال: كان له قريحة بالعربية سيالة طبيعية فنظم القريض ولقب بشاعر الحجاز يعني الطائف وما علاها فهو شاعر لطيف ومغوار غطريف تخضع لشعره بلابل الأغصان، وتنصت لغزله خود الحسان ومسامع كل إنسان.
الشاعر بديوي الوقداني هو: بديوي بن جبران بن جبر بن هنيدي بن جبر بن صالح بن محمد بن مسفر بن سالم بن عيسى الوقداني العتيبي السعدي. من ذوي محمد من السوالمة من وقدان، ووقدان إحدى قبائل عتيبة. ولد بوادي نخب ولا يعرف تاريخ ميلاده بالضبط لكنه بين عام 1220 و1230 نشأ في قرية قصعان.
نظم الشعر مبكرًا، وكان أن زاوج بين الشعر الفصيح والنبطي وأجاد.
يقول من قصيدة بالفصحى:
الملك لله والدنيا مداولةٌ
وما لحي على الأيام تخليدُ
والناس زرع الفنا والموت حاصده
وكل زرع إذا ما تم محصود
وما يدوم سرور لا ولا كدرٌ
وهكذا الدهر تصديرٌ وتوريدُ
ويقول من قصيدة أخرى يُقال أنه نظمها عندما ذهب لخطبة امرأة وعندما أتى أهلها وجدها قد تزوجت! وفي طريق عودته مر بسيسيد (وهي منطقة برية اتخذت الآن منتزهاً برياًَ لأهل الطايف)، فجلس تحت شجرة غضا ليرتاح قليلاً فرأى حمامة على غصن الشجرة فقال:
أحمامة الوادي بشرقي الغضا
مالي أراك حزينة لم تهجعي
حزني كحزنك لا يزال صبابة
أن كنت مسعفة الحزين فرجِّعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه
في راحتيك وجمره في أضلعي
وفي رحلت له مع الشريف عبدالله بن محمد بن عون، سقط خاتم الشريف وانكسر فصه فانزعج لذلك، فقال بديوي على الفور:
لا تخش يابن رسول الله من حجرٍ
رأى المكارم في كفيك فانفجرا
وافاك سعدُك إذ وافى السُّعُودُ وقد
أعطاك ربك سعدًا يفلق الحجرا
ولقد أجاد في النظم بالعامي أو النبطي، وله حضور مميز في التفاعل مع ما يحيط به من أحداث، فهو ابن البيئة العربية التي دوماً تمر بها الأحداث المختلفة بين فرح وترح.
يقول في قصيدة له يصف الدنيا:
بديوي يقول أشوف الأيام تقتلب
كما يقتلب فالبحر عود الأشباح
إذا ما رماه الموج في غبة البحر
وجاء في غزير مقتفيه أرياح
تفكرت في الدنيا كفى الله شرها
صفاه كدر لو قدمت بأفراح
ولبديوي محاورات شعرية رصد هذا الكتاب ما وصل منها، كما اشتمل الكتاب على بعض الوثائق التي هي عبارة عن مخطوطات لبعض قصائد بديوي.
إن هذا التوثيق لمسيرة شاعر عُد في عصره ظاهرة ثقافية متميزة، لهو جهد يشكر عليه من قام به الأستاذ عثمان الوقداني وكذلك دار نسناس التي تولت طبعه وإخراجه بهذا الشكل المميز.
** **
- إبراهيم بن سعد الماجد