عبدالوهاب الفايز
الظروف المحيطة بالصحة النفسية في المملكة صعبة جداً، وهذا ما يقدره ويعترف به العاملون في مجال الرعاية الصحية النفسية. والطلب على الرعاية الشاملة سوف يرتفع في ظل ظروف الحياة المعاصرة التي توجد ضغوطًا جديدة، وتنمي الاضطراب التكيفي، فالمستجدات في حياتنا تحتاج تعلم المواجهة والتكيف، والناس تحتاج تعلم المهارات التي تبعدهم عن القلق والاكتئاب، وتحتاج الحماية والوقاية والعلاج من مسببات الإدمان التقليدية والحديثة مثل: (الإدمان على التواصل الاجتماعي)!
الاعتراف بالمشكلة ضروري، وهو بداية الحل وبداية المشوار لمعالجة هذا التحدي. الأرقام تشير إلى نقص كبير في خدمات الرعاية الصحية النفسية التي نقدمها يصل إلى 90 بالمئة، ويشمل ذلك التنويم والعلاج الممتد والإرشاد والتوجيه وكل برامج الوقاية في مجال الصحة النفسية والعقلية.
وهذا النقص الكبير يشكل تحدياً كبيراً للخدمات الصحية. لمواجهة هذا التحدي تسعى الحكومة إلى برنامج مشاركة ومساندة تنفذها القطاعات الحكومية مع القطاعين الخيري والخاص لرفع كفاءة الخدمات المعززة للصحة النفسية والعقلية، وتسعى لرفع كفاءة برامج الاكتشاف المبكر لحالات الاكتئاب والقلق، ومتابعة حالات الأمراض المزمنة، ويتم تطوير مبادرة الإرشاد الصحي الشامل - برنامج الرعاية النفسية الأولية في وزارة الصحة لأجل الاكتشاف المبكر لحالات الاكتئاب والقلق بين مراجعي المراكز الصحية الأولية.
كما تهدف خدمات الصحة إلى الربط بين العلاج الطبي وتوفير الحاجة للدعم العاطفي عبر مشاركة الأفراد المنضمين لها لعرض تجاربهم وخبراتهم مع المرض وتشجيع بعضهم من خلال مجموعات الاهتمام. إضافةً إلى ذلك، توفر الدولة في مختلف المناطق ما يقارب 21 مستشفى للصحة النفسية و99 عيادة نفسية، وتعمل على تطوير تطبيقات الهواتف الذكية. كما اهتمت المملكة بالمرضى النفسيين المشردين والمرفوضين ويتم العناية بهم عبر برنامج (أجواد) لقديم الرعاية والتأهيل الذي يحتاجون إليه. وهناك المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية الذي يقدم معلومات عن المستشفيات والعيادات الخاصة ومراكز إعادة التأهيل والجمعيات واللجان الموجودة بالمملكة.
هذا الذي يقدمه القطاع العام الآن، ولكنه غير كافٍ لمواكبة ارتفاع الطلب على الخدمة، بالذات احتواء مرضى إدمان المخدرات المتزايد عددهم مع توسع استهداف بلادنا بالمخدرات من إيران وجماعاتها الإرهابية في المنطقة خصوصًا حزب الله اللبناني الذي تحول إلى مؤسسة متخصصة محترفة في تجارة المخدرات، وفي السنوات الأخيرة زادت نسبة التهريب لتتجاوز ثلاثة آلاف بالمئة (3000%) وهذا تحد كبير لقطاع المكافحة.. وأيضاً لقطاع العلاج من الإدمان.
الاعتراف بالمشكلة وتعريفها وتشخيصها بداية ايجابية وضرورية، وحتى نتقدم ولا نتأخر في بناء المبادرات والمشاريع لتجاوز تحدي الصحة النفسية نحتاج (فريق عمل طوارئ) يُشكله مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية ليتولى تسهيل وتسريع الحلول المطروحة لمواجهة الاحتياجات الملحة. لنا تجربة ناجحة في الفريق الذي تشكل لمواجهة وباء كورونا. فريق عمل باحترافية ومهنية، واستطاع أن يضعنا على الطريق الصحيح للتعامل السريع مع الأزمة.
الحمد لله بلادنا بخير، ولن تتأخر في توفير جميع الاعتمادات المالية الضرورية لحل أية مشكلة تمس صحة المواطنين وأمنهم وسلامتهم. وهذا الذي نتوقعه للتعامل مع تحدي الصحة النفسية. الحكومة وضعت ميزانية شبه مفتوحة للقطاع الصحي والقطاعات الحكومية الأخرى المساندة للتصدي لوباء كورونا.
هذا الفريق نحتاجه لأجل التفعيل السريع لكل المبادرات والمشاريع المطروحة لدى الحكومة التي تم إقرارها في برنامج التخصيص لدعم مساهمات القطاع الخيري وتسريع مشاريع واستثمارات القطاع الخاص. العاملون في القطاعين يعانون من مشكلة (البيروقراطية الحكومية) التي ما زالت تشكل عائقاً كبيراً أمام نمو الاستثمارات الخاصة بالذات في المجالات الحيوية المهمة مثل خدمات الرعاية الصحية. العقبات والتعقيدات القائمة أمام إصدار التراخيص المتضرر منها المواطن والحكومة. عدم كفاءة الأجهزة الحكومية في إصدار التراخيص يؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة يرفع هوامش الأرباح، وهذا مزعج ومؤسف أن يضطر الناس إلى دفع التكاليف العالية للخدمات الصحية النفسية!
العوائد الكبيرة على الاستثمارات الخاصة سوف تستمر في التصاعد عن معدلاتها الحالية التي تصل إلى 40 بالمئة إذا تأخرت التدخلات والسياسات الحكومية الذكية التي ترفع العرض والجودة في الخدمة.
وأفضل طريقة تخدم الحكومة ولا تضر باستثمارات القطاع الخاص وتحقق التكامل والمشاركة هي في التوجه إلى تفعيل دور القطاع الخيري والاستفادة من الأوقاف لتطوير مشاريع (الاستثمار الاجتماعي). والحمد لله أن لدينا التجارب الناجحة القائمة لتدخلات المؤسسات الخيرية المانحة بالذات في إنشاء دور وبرامج العلاج من الإدمان.
هذا الذي يجب أن يبحثه ويتعرف عليه فريق الطوارئ الذي نتطلع إليه لمواجهة تحديات الصحة النفسية.