عمر بن إبراهيم بن سليمان العمري
ذلك جيل عظيم منّ الله علي وأدركت بعضهم، رحم الله تعالى من توفي وحفظ من بقي منهم وأمد في عمره على عمل صالح.
هو ليس جيل لاعبين أو فنانين أو أصحاب منصب أو مشاهير،بل أناساً كانوا يعيشون بيننا رحل الغالبية منهم إلى ربه.
أدركوا أطوار توحيد المملكة عاشوا الفرقة والوحدة، وجربوا الفقر المدقع والطفرة، مرت بهم الحياة البدائية والحياة الصاخبة، وركبوا الجمال والسيارات والطائرات.
كان لهم خصائص وصفات جميلة جداً قد يظن البعض أني أبالغ حين أتساءل هل هم ملائكة على هيئة بشر؟ هل هناك أناس بهذه الخصال وهذه الطيبة والعفوية والطهر؟
كان الرجل منهم في بيته مهاباً والمرأة تستظل به فهو سندها وحبيبها، وكان أبناؤه يحترمونه ويجلونه ويقدرونه.
كانوا كثيراً ما يحمدون الله تعالى ويستشعرون النعم من حولهم، وحين أغناهم الله من واسع فضله لم يزدهم إلا شكراً وحفظاً واحتراماً للنعم وحفاظاً على الموارد.
كانوا يؤمنون بالبركة ويقدمونها على كثير من الدراسات الحديثة وغالباً ما يتفوق إيمانهم وتجاربهم على الدراسات.
لم يتخرجوا من جامعات مثل هارفارد ولم يدخلوا في كليات إدارة الأعمال ولم يدرسوا الاقتصاد لكنهم مارسوه فأسسوا أعمالاً تجارية ناجحة وتدار بطريقة مؤسساتية احترافية وبعضهم أسس شركات عالمية أدرجت في سوق الأسهم.
يذهبون إلى القضاء أحياناً ليس ليشكو بعضهم بعضاً، بل ليفصل الشراكة بينهم بحيادية، لأنهم يؤثرون بعضهم على بعض في فض الشراكات الودية فكل يستحي أن يختار لنفسه ويؤثر شريكه على نفسه.
يؤمنون بالعلم ويأخذون بالرأي الصائب ويقدمونه على الخرافات والجهل.
كان لزهدهم طابع خاص، فهم لا يتوقفون عن طلب الرزق والاستزادة من المال لكنهم لا يصرفونه إلا حسب الأولويات فلا كماليات زائفة لديهم، ولا سياحة ولا رفاهية عبثية، وفي حال وجدوا محتاجين أو مشاريع خيرية فإنهم يسارعون في الإنفاق بلا حساب ولا تدقيق.
كان السفر لديهم غالباً ما يكون لغرض العمل أو صلة الرحم أو العلاج أو مناسبة مهمة، ولا يعرفون السياحة والاستجمام المبالغ فيه.
بعضهم يعمل بالزراعة ليس لغرض الكسب المادي، لكن لعمارة الأرض ولتشرب البهائم وتستظل الطيور.
لهم طرق مختلفة بالتعبير عن حبهم للوطن؛ فتجدهم يذكرون في مجالسهم قصص توحيد المملكة وينفقون المال في خدمة المجتمع والمناسبات الوطنية، ويؤسسون أعمالاً تجارية تساهم في نهضة واقتصاد الوطن.
كانوا بسيطين ويحبون البساطة فلا تجد غالباً فروقات بينهم في الملبس والمركب مع قدراتهم المادية وكذلك في مناسباتهم لا يتكلفون ولا يثقلون على أنفسهم ولا على غيرهم، مع استطاعتهم.
كانوا حين يأكلون الطعام يُجلسون معهم على مائدتهم الخدم والسائقين والبسطاء ويشاركونهم الطعام.
كان المسجد بالنسبة لهم البيت الثاني؛ فإذا لم يشاهدوا أحدهم في صلاة الجماعة بالمسجد فهم يقلقون عليه، وقد يقول أحدهم (أبو فلان ما صلى معنا اليوم عسى ما شر)، وبعضهم إذا أراد أن يقابل أحداً بشكل شخصي لم يكن لديهم واتس أب أو جوال أو إيميل بل يذهب ويصلي مع من يريد مقابلته الفريضة بالمسجد القريب من بيته ليجده ويتحدث معه، فيقول أحدهم (أبصلي مع أبو فلان العصر عشان الموضوع الفلاني)؛ فهكذا كانت قلوبهم معلقة بالمساجد.
كانوا يتابعون الأخبار ليس حباً بالسياسة أو إشغالاً للوقت، لكن كان همهم الأول والأخير قضية فلسطين ومصير المسجد الأقصى وكان عندهم أمل كبير بعودته للمسلمين.
خصالهم الحميدة وكرم أخلاقهم، وطهرهم وجمال أسلوب الحياة التي كانوا يعيشونها هذا ما جعلني أسميهم الجيل الذهبي.