الهادي التليلي
من المفاهيم المحاذية للصواب حول الترفيه هي التي تحصره في مدار مخصوص يقصي وقت العمل معتبراً إياه «النشاط الترويحي الذي يملأ وقت الفراغ» وهو تعريف كلاسيكي يقسم حياة الإنسان إلى لحظتين الأولى لحظة العمل والبقية من يومه وقت فراغ وهي وجهة نظر سوسيولوجية قديمة تثمن نشاط العمل الجدي القاسي وتعتبره فعالية شبه مقدسة وهي من المدارس الملتصقة في خطها الأيديولوجي بالخطاب الليبرالي في شكله القديم هذه العدوى التي وصلت حتى إلى علماء الأنتروبولوجيا الذين من بينهم هنري هكسلي القائل «الهدف النهائي للحياة هو العمل وليس العلم فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئاً نحن نتعلم فقط لكي نعمل».
التعريفات الكلاسيكية التي قسمت حياة الإنسان عمل جاد واستراحة للعودة للعمل ترى أنه بالعمل وحده ترتقي الشعوب وخارج دائرة العمل بمفهومه الكلاسيكي أي الجهد الشاق من أجل خلق مواد عيش جماعي في الحقيقة هذا التصور يعد من أسس هذا المفهوم للترفيه بوجهه هذا لأن الفصل بين البهجة والسعادة والجهد العملي الشاق وخاصة في زمننا المعاصر مسألة محسومة وتحديداً في مجال الإدارات ذات الطابع الرسمي التي يعبر عنها علماء الاجتماع ومن بينهم إيميل دوركهايم الذي يرى فيها مؤسسات تخلق تضامناً ميكانيكياً ولا تخلق تضامناً أخلاقياً وإبداعياً وفق رؤيته الأشمل لتقسيم العمل.
إعلاء صوت العمل لا يعني إهمال الإنسان بل بالعكس العمل الذي يختلف البعض في موقعيته من غاية إلى وسيلة هو مكون أساسي في تعريف الإنسان ولكن لو نظرنا إلى الأدبيات المعاصرة في تناولها لمسألة الترفيه تنظيراً واستثماراً نجد كونها تعتبر العملية الترفيهية زيادة على كونها عملية مهنية ذات دور اجتماعي بارز هي أيضاً نشاط اجتماعي يمكن أن يقدم فوائد مثل التوظيف وتبادل الأدوار فيه وتقسيم العمل فيه زيادة على كل هذا هو فعالية ضرورية لإعلاء صورة الإنسان في منظومة العمل وهنا يحضرنا شريط شارلي شابلن الأزمنة المعاصرة «MODERN TIMES» الذي ينتقد بشكل كوميدي مجتمعات المكننة التي حولت الإنسان إلى آلة بلا معنى ولا حياة.
المجتمعات الشرقية وخاصة اليابانية والصينية سبقت العالم الغربي والنظرة للإنسان في مسار العمل حيث اعتبرت الترفيه داخل العمل مسألة إجبارية لأن العمل بلا روح وبلا نفس متجدد داخل مؤسسة العمل يجعل من العمل بيئة رتيبة غير متجددة وغير إبداعية فكانت الحركات الرياضية والموسيقى الملهمة وتعد شركة جوجل من أكثر الشركات المستثمرة في مجال الترفيه داخل مؤسسة العمل انطلاقاً من ذاتها.
فالعمل في مناخ تسوده البهجة أكثر إنتاجية وأكثر جدوى لذلك المفهوم المعاصر للترفيه لم يعد الأنشطة الترويحية خارج وقت الفراغ وإنما هو الأنشطة الترويحية خارج وقت العمل وداخله بتكميم وتوازن يجعل منه محفزاً لا معطلاً والترفيه ليس فقط حركات بدنية يقوم بها العمال بل أيضاً موسيقى مرافقة للعمل وبيئة وظيفية تمتاز بصورة ذهنية تحول العمل إلى حياة يستطاب فيها العيش فالعمل ليس إنتاجاً جافاً وإنما هو معايشة وأنسنة للبيئة الوظيفية لذلك تجد الديزاين الجاذب لمقار العمل واللوحات التشكيلية التي تحول بعض المنشآت الوظيفية إلى معارض رسوم ومساحات اكتشاف المواهب في مختلف المجالات داخل المنشأة وإلى غير ذلك مع ما يجب أن يتوفر عليه العامل من رفاه مهني وأمان وظيفي وامتيازات وحوافز دافعة على الخلق والإبداع.
العمل في مثل هذه البيئة يتحول من واجب مقابل الحق إلى ما هو أسمى أي إلى نشاط جمالي وهنا يكون الترفيه في خدمة التنمية من داخل وقت العمل فالعمل بلا ترفيه قاتل وممل ورتيب لذلك كانت النظرة الحديثة للعمل مختلفة كل الاختلاف تعطي للترفيه مكانة كإحدى وسائل الإنتاج لأنه ونعني هنا الترفيه هو في الأصل عقلية وثقافة وأسلوب حياة ينشد الجودة الجمالية والبهجة والسعادة لا مجرد فقرات وحفلات وفعاليات.