سمر المقرن
خيانة المجالس جريمة عُظمى تهتك الأستار، وتُظهر العيوب، وتنتهك الحُرمات والخصوصيات. توغر الصدور، وتؤلم النفوس وتشعل نار الفتنة، على مستوى الأشخاص، وقد تمكّن الأعداء من احتلال البلاد وتعرضها للخراب بشكل عام فما أبشعها.
مع وسائل التكنولوجيا التي يسّرت الاتصال بين البشر وجعلت العالم، تيسّرت أيضاً وللأسف وسائل خيانة المجالس أكثر، لتنطبق الحكمة القائلة: إن أمناء الأسرار، أقل وجوداً من أمناء الأموال، وحفظ الأموال صار أيسر من كتمان الأسرار!
فصور خيانة المجالس عديدة، وبينما كانت قاصرة على نقل الأخبار بين الأفراد، وبعضهم بالفم، والسعي بين الناس بالنميمة، أو تصوير الأشخاص خلسة دون علمهم أو تسجيل محادثاتهم الهاتفية، أو تشغيل مكبر الصوت ليسمعه آخرون دون علم المتحدث على الطرف الثاني، وصور عديدة أخرى تفاقمت مع عصر التكنولوجيا والسوشيال ميديا، كأن يقوم شخص خائن بتصوير شاشة المحادثات بينه وشخص وآخر على تويتر أو الواتسأب أو غيرها من صور المحادثات ثم يقوم بنشرها دون علمه على مواقع التواصل الاجتماعي والتشهير به فتكون الطامة الكبرى.
ضحايا خيانة المجالس بالآلاف وربما الملايين سواءً كانوا أصدقاء مقربين، أو حتى أزواج وزوجات باعوا عشرة العمر، وضمائرهم بثمن بخس أو ربما بلا ثمن وبغرض التسلية بفضح الآخرين.
وربما تتصدى قوانين العقوبات، ومباحث الاتصالات لهذا النوع من الخيانة، ولكن أين مباحث الضمير وقوانين الوفاء والأمانة، عند هؤلاء الذين يقترفون إثم الخيانة بأية حجة كانت سواء ادعاء حسن النية بالتسلية أو المزاح، أو بتعمد إيذاء الآخرين.
إن خيانة المجالس طامة كبرى إن ارتكبها الأفراد في حق بعضهم أوجعت وأحزنت وأفقدت الثقة للأبد، وإن اقترفوها بحق الدول هدمتها، وأمستها إطلالاً لسنوات طوال. وقد شهد التاريخ العديد من الخيانات التي قلبت موازين العالم بأسره، أشهرها خيانة الأمير الهندي مير جعفر للإمبراطورية المغولية المسلمة لصالح الإنجليز التي احتلت دولته بسبب خيانته لمدة 200 عاماً.
لا مبرر لخيانة المجالس فمن أمنك لا تخونه، وإن كنت خائناً، إنها نيران عظمى تقضي على أخضر ويابس الثقة بين الناس، وتجعل الإنسان يشك حتى في أصابع يده، فكيف يكون جزاء الثقة خيانة ومقابل الإخلاص الغدر.
الواجب إن رأى الإنسان عيباً في أخيه ستره وقوّمه، ونصحه في السر، فالنصح في السر نصيحة وفي العلن فضيحة فما بالنا بمن يأمن لغيره فيضيع الأمانة.
البعض قد يحكي أسراره لصديقة المخلص من باب الفضفضة لا ليلوكها بلسانه لكل من هب ودب!
وأخيراً.. فلا يخون الأمانة إلا مضطرب نفسياً أو مريض ضعيف الشخصية، غير متزن ناقص يحاول تعويض نقصه بخيانة الآخرين، أعاذنا الله منهم.