د.فوزية أبو خالد
ليس من الطبيعي لمن يجهل أو يريد تجاهل طبيعة الصراعات الوجودية الدائرة في اليمن وطبيعة حرب الاستنزاف المستمرة اليوم لما يقارب سبع سنوات أن يعرف معنى الإدانة الدولية التي أصدرها مجلس الأمن يوم 17 من الشهر الأول للعام 2022 أو معنى أن تبدي الإدارة الأمريكية للحزب الديموقراطي موقفاً صريحاً مندداً بالإرهاب الحوثي على أراض المملكة العربية السعودية وعلى أرض الإمارات، فأهمية الموقفين على ما يبدو من محدوديتهما ليس الدفاع عن السعودية أو الإمارات بقدر ما هو إدراك التهديد الذي تمثّله مثل هذه الضربات على أمن الاقتصاد العالمي من معرفة محققة بأن الخطر لم يعد في محاولة إيران وضع شوكة طائفية على خاصرة الجنوب السعودي على غرار حزب الله بلبنان ولكن الخطر يتعداه لإشعال منطقة الخليج بحرب ثالثة لن تستطيع أمريكا ولا المجتمع الدولي أن يكون متفرجاً عليها كما فعل في سنوات الصراع السابقة مع تفاوت الموقف الأمريكي من الصراع وخاصة في الإدارة السابقة وتذبذبه ما قبلها وما بعدها.
على أنه إذا كانت فكرة الاتفاق النووي مع إيران من أصلها ترجع إلى خطورة امتلاك إيران لسلاح نووي يخل بموازين القوى ويهدد أمن هذه البقعة الحيوية من بقاع الأرض للاقتصاد العالمي ولسلمه السياسي فإن السكوت على تمادي إيران في القيام بكل موبقات الدولة المارقة بالمنطقة لم يكن موقفاً مبرراً ولا مفهوماً غير أنه في النهاية، وإن جرى تجاهل الجهد السعودي وجبهة التحالف في التصدي لمشروع إيراني طائفي استحواذي وتقزيمه على أنه صراع حدودي أو صراع يمني داخلي أو في أبعد الأحوال صراع إقليمي بين القوى المتنمرة في المنطقة ليس إلا، فإنه لا يصح إلا الصحيح. فيجيء الموقف الأمريكي والدولي الأخير وإن جاء متأخراً وبعد مد وجزر أمريكي ودولي وتردد بالغ البرجماتية، مظهراً البعد الوجودي العالمي لطبيعة العدوان المليشي الإيراني التراكمي بالمنطقة في تهديد المنطقة وكل مصالح العالم الاقتصادية المرتبطة بمنابع النفط من ناحية وبخطوط التجارة الدولية من ناحية أخرى من مضيق هرمز لباب المندب والألغام الثاوية والمتفجرة فيهما وعلى امتدادهما وما بينهما.
على أن ذلك التدارك الأمريكي والدولي إن صحت قراءته بهذا الشكل «المتبسط» وإن صمد ولم يعد للتذبذب والمراوحة أو الانحسار لا يغني الأطراف المعنية المباشرة بالموقف على وضع نهاية لهذا الصراع الذي تتحمّل المملكة العربية السعودية نصيب الأسد في أعبائه المالية والأدبية، بل والبشرية من حياة أبنائها والذي يتحمّل فيه المدنيون اليمانيون ما لا بشر به قبل ولا طاقة من فواجع تحويل النظام الإيراني عبر وكيله الحوثي أرضهم وبيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وساحات اللعب ومساحات المزارع والمرعى وحتى المقابر إلى ثكنة عسكرية كبيرة تقام على أنقاضهم وعلى جماجم الأطفال بنفس الطريقة الضارية التي اختطف بها حزب الله (العميل الإيراني ) منطقة الجنوب بلبنان (انظر تقرير ميون لحقوق الإنسان 17-1-2022 عن سرقة القوات الحوثية للمساعدات الغذائية الدولية الموجهة لمتضوري اليمن (Mayyun.org
* * * *
لا أظن أن السعودية لو أرادت حسم الحرب بتمشيط سجادي لأرض اليمن بطائرات حربية كما فعل طاغية دمشق بأرض الشعب السوري على أيدي الميليشيات الإيرانية والقوى الأجنبية كانت ستعجز عسكرياً عن ذلك إلا أن ذلك لم يحدث لاعتبارات إنسانية وهي اقتصار الموقف السعودي على الصد الدفاعي وليس الهجوم بالمعنى الحرفي للحرب وبمحاولة استهداف القوى القتالية الحوثية وليس كافة الشعب اليمني، وعلى وحشية الحروب وقسوتها كمفهوم وكواقع فليس هناك حروب رحيمة في التاريخ البشري، ولكن هناك من هو ببجاحة النظام الإيراني ممن لا يتوقف عن إشعال الحروب في دار الغير إلا لو شلت يده بقوة رادعة.
وهذا يفتح السؤال القائم اليوم والمطروح بقوة على دول ومجتمعات استطاعت أن تحقق مكاسب تنموية واسعة نسبياً على مستوى التعليم وجودة الحياة ودخل الفرد والبنى التحتية، حيث السعودية ودول الخليج تشكِّل فارقاً نوعياً بالمنطقة العربية والإقليمية، ولا مقارنة ولا حتى تقريبية مع وضع المجتمع الإيراني المتردي على المستوى المعيشي، وهو سؤال كيفية المحافظة على هذه المنجزات وتعميقها الحقوقي والسياسي في نفس الوقت بناء متواز للقوة العسكرية ولقوى الدبلوماسية الناعمة لخلق توازن يواجه شهوة الاستحواذ والهيمنة الإقليمية على منطقة الخليج وعموم المنطقة العربية لدى النظام الطائفي الإيراني في هذا السياق على وجه التحديد ولدى أي قوى تحمل هذه الشهوة بشكل ثاو أو معلن؟
أما اليمن فلا شفاء لشعبه الأبي إلا بإرادته في فك أسره من الاستحواذ الإيراني
الحوثي وتشرذم الولاءات ليكون صاحب القرار في مصيره العسكري والسياسي.