علاء الدماصي
كل إنسان يصبح شاعراً إذا لامس قلبه الحب، هكذا قال أفلاطون في وصفه لأهمية ذاك المعنى الجميل وتلك القيمة النبيلة التي كادت أن تنقرض في هذا العصر، فالحب هو أجمل معنى في الوجود بل هو نهر الحياة الذي لا ينضب وبحر الأحلام الذي يغرق قلوب مريديه في السعادة.
الحب هو عطاء وشعور بالحاجة الروحانية والمعنوية والإنسانية بين طرفين، الحب هو أن يكتمل بوجود أحد الطرفين معنى الحياة للطرف الآخر، هو إحساس صادق لا ينبع إلا من إنسان تكتمل معه كل صفات الإنسانية، هو أن تحس وتشعر بالدفيء في لحظات وأوقات البرودة والصقيع، هو أن تستمتع بحرارة الجسم في فصل الربيع، هو أن تغمرك برودة الجسم في غمرة الخريف.
هو أن تشعر بأنك وطن يسكنك الحب وأنك دولة يقودها قلب ويستعمرها محب، لذا فحينما تشعر بلذة الحب ويحاصرك الحب من حولك تشعر بأنك تحيا وتشعر بقيمة الحياة.
ويقول علماء النفس: نحتاج إلى الحب لأننا عندما نكون مع من نحب نشعر بالطمأنينة وتزول عنا مشاعر الوحدة، لشعورنا بالاكتمال مع من نحب، نشعر بأن الحياة جميلة وتمشي بانتظام وانضباط، وتتبدد كل مخاوفنا، بوجود من نحب ترتفع معنوياتنا. وعكس ذلك عندما نفقد أو نفتقد من نحب نشعر بالكآبة وتنهار مقاومتنا، ونشعر باليأس عند انفصالنا عمن نحب.
وفي واحدة من أهم تجارب علم النفس، قام بعض العلماء بوضع مجموعة من صغار القرود الرضّع في قفص ومعهم مجسمان لقردة أُمّ، واحدة من سلك لكنها تفرز اللبن، والأخرى من الفرو لكنها لا تفرز لبناً، وقاموا بمراقبة سلوك القرود، وإلى أي النموذجين سينجذب الصغار، وكانت نتيجة التجربة هي التصاق القرود طيلة الوقت بالقردة الفرائية، وعدم الذهاب للقردة الأخرى إلا عند الاحتياج للبن فقط.
هذه التجربة كشفت عن أهمية احتياجاتنا النفسية، وبخاصة المتعلقة بالمشاعر والحب. وأشارت تلك النوعية من التجارب والدراسات أن الحب احتياج فطري من حقه الإشباع.
الحب هو أن يكون كلا الطرفين سنداً معنوياً للآخر، يعينه على تحمّل ضغوط الحياة، فكثيراً ما نبتلع الدواء المر بقطع من الحلوى، وخير دليل على ذلك ما شعر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة زوجته وحبيبته السيدة خديجة -رضى الله عنها-، من درجة حزن كبيرة، وتسميته لعام رحليها بعام الحزن الذي فقد فيه عمه أبى طالب الذي كان يمثل سندًا معنويًا آخر له.
إنَّ خديجة -رضي الله عنها- كانت بلا شكٍّ السند العاطفي والقلبي؛ بل المالي له؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: (فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عز وجل بِهَا خَيْرًا مِنْهَا).
قال: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عز وجل خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وجلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ».
نحتاج إلى الحب في علاقاتنا الاجتماعية، حتى يمكننا أن نطورها وننميها ونحافظ عليها، نحتاج إلى الحب في علاقتنا مع بيوت الله حتى يمكننا الوصول إلى درجة الإيمان، نحتاج الى الحب في التعامل مع أطفالنا حتى يكبروا وهم أصحاء نفسياً، نحتاج إلى الحب حينما نبدأ في خطوات الارتباط أو الزواج، حتى نرسخ شيئًا أسمه التفاهم، لكي نحافظ على أجمل ما نملك «تؤام الروح».
ثمرات الفكر
الحب هو الشيء الذي يبحث عنك، قبل أن تبحث عنه كموج البحر، حينما يغمرك، تتحول الصحراء الجرداء إلى حدائق خضراء.
وللأفكار ثمرات مادم في العقل كلمات وفي القلب نبضات... مادام في العمر لحظات.