المطلع على الحراك الثقافي التراثي عبر وسائل التواصل الاجتماعية يدرك أن هناك حراكاً دؤوباً يقوم به المهتمون بالتراث الوطني والحراك الاجتماعي المرافق له ويتسابقون بأطروحاتهم المجتمعية الجميلة بمحتواها من أجل إخراج صور الماضي الجميل أمام الجمهور المتابع له والمتشوق لمعرفة أحوال وأخبار الزمن الجميل ورجالاته الذين رسموا نقشهم الحسن على أديم هذا الوطن في ذلك الزمن حتى بقي أثره من الشواهد الحاضرة يراه الجيل الحاضر ويستلهم منه معاني القيم والمبادئ القيمة من عادات وتقاليد خلاقة.. وعندما نقول الزمن الجميل أو جيل الطيبين فهذا يعود في الغالب إلى جيل ما قبل الطفرة التي عمّ خيرها على البلاد والعباد.
ومن بواكير الأفكار التي أسهمت على ظهور ذلك الحراك ما تقوم به ثلوثية المصمك وهي فكرة وإدارة الأستاذ محمد الحوطي والتي تقع وسط منطقة الرياض في حي الديرة على بعد أمتار من قصر المصمك، حيث يلتقي أسبوعياً في يوم الثلاثاء بمجموعة من الضيوف المثقفين والمهتمين والباحثين الكرام على رائحة الضيافة العربي السعودية إكراماً للضيوف وللزائرين وذلك بين العشاوين.. ولفظة (العشاوين) هي لفظة نجدية كانت دارجة في زمنها ويقصد بها ما بين المغرب والعشاء وفي جلستهم يكون هناك استحضار واستذكار للماضي، حيث يسترجع الحضور ذاكرتهم وذكرياتهم في الأحياء القديمة من الرياض سوى كان الرياض القديمة داخل السور والأحياء ما بعد هدم السور والحراك الأسري والعائلي الاجتماعي الذي كان يتعايشه مجتمع الرياض في ذلك الوقت في حلهم وترحالهم ومع كل لقاء تتجدد وجوه الزائرين وتتجدد الذكريات حتى أصبحت تلك ثلوثية حديث المجالس ومقصد الزائرين لتلك المنطقة، فالدعوة مفتوحة للجميع وهي دعوة عامة دأب على توجيهها الأستاذ محمد الحوطي وبقية أعضاء ثلوثية المصمك وهم كل من الأستاذ فهد بن هديان والأستاذ فهد بن خليف والأستاذ عبدالرحمن الحوطي، وذلك قبل كل لقاء موجهة للمثقفين والمهتمين والزائرين.
وقد حظيت دعوته بقبول وحضور لافت من جميع نسيج المجتمع وقبل فترة ليست ببعيدة شارك في مجلس ثلوثية المصمك فريق سياحي أجنبي كان زائراً للمنطقة وأعجب بما رأى من حسن اللقاء والضيافة السعودية المعهودة وبذلك حققت ثلوثية المصمك أحد أهداف رؤية 2030 وهو جانب الجذب السياحي بتعامل منظميها الراقي مع الضيوف والزائرين الأجانب.
ويتجدد لقاء ثلوثية المصمك مع الزائرين والمهتمين وكان منها أيضاً اللقاء الذي أقيم في منزل الأستاذ محمد الحوطي بسبب الظروف المكانية لثلوثية المصمك مع جمع من المثقفين والمهتمين وكان ضيف شرف اللقاء سعادة الدكتور فهد بن عبدالله الطياش عضو مجلس الشورى وأستاذ الإعلام المشارك في جامعة الملك سعود والذي أسبغ على ذلك اللقاء روحاً جديدة بأفكاره وجعل من اللقاء ندوة، حيث كانت أطروحته (الرياض القديمة وشبكات التواصل الاجتماعي) ومحاولة التواصل بين حنين الماضي والحاضر والربط بينهم عبر إيجاد جسر معنوي وحسي لتجتمع في شكل صورة مستدامة تبقى خالدة للمجتمع السعودي ومحافظة على الأصالة العربية ومرتبطة بالعادات والتقاليد وبالدين الحنيف.. لقد أضاف الدكتور فهد الطياش على ثلوثية المصمك قيمة اجتماعية وطنية في طرحه.
مما يجعل التصور لدي هو استنساخ فكرة ثلوثية المصمك وتعميمها بين المدن الكبرى وجعلها مجلساً ثقافياً يرتاده المثقفون والمهتمون بالتاريخ الاجتماعي لكل منطقة حسب تنوّع ثقافته الاجتماعية الموروثة والتي تفرضها المساحة الجغرافية الشاسعة للدولة السعودية واستحداث ثقافات حضارية اجتماعية أصيلة مستوحاة من تاريخ الحراك الاجتماعي السعودي والعربي عبر صفحات التاريخ للجزيرة العربية وتدويرها وجعل له نمطاً حديثاً ضمن البيئة العمرانية وهنا يأتي دور الباحثين والقارئين للتاريخ الاجتماعي لاستخراج الكامن المكنون وبث فيه الحياة الاجتماعية من جديد ليوافق الحداثة الإنسانية ونمط الحياة المعاصرة ولا ننسى نصيب المستقبل من هذا الحراك وذلك بصناعة ماضي المستقبل ونحن الذين نملك الأدوات التي لم يمتلكها الأولون فعلينا بناء ماضي المستقبل بناء حسناً حتى تستقبله الأجيال القادمة وكأنه ماض وحاضر ومستقبل.
** **
- محمد بن عبدالله المالكي