رمضان جريدي العنزي
الهطلس نبات معمر شجيري فروعة غير مفصلية، حمضي أوراقة مليئة بالحمض والماء، من النباتات التي لا تسر النظر بالشكل المريح، والتي إذا فركت تأتي برائحة كريهة نتنة، وتنبت عادة في الأراضي السبخة وبكثرة، جالبة للدواب والقوارض والثعابين والبعوض، ولكونها غير مستساغة وغير مريحة لا شكلاً ولا لوناً ولا رائحة، فإنه يضرب بها المثل (فلان يأكل الهطلس)، والهطلسيون كثيرون هذه الأيام، نجدهم في وسائل التواصل الاجتماعي، في المجالس، في الاستراحات والمناسبات، وهم من الآفات ومن أكثرهم إجحافاً بالناس وبالقيم والموازين، وهم بعيدون عن الواقع، ولديهم تهريج كثيف، تعال وترفع (على الفاضي)، وتزييف للحقائق، أعمالهم علقم وحنظل، وموازينهم معطلة، ما عندهم ضوابط، ومعاييرهم معدومة، ومقاييسهم للمواضيع غير دقيقة، ولديهم تجاوزات خطيرة في التنظير وفي المنطق، لهم دجل ووجل، لديهم خداع كبير، ويتدحرجون نحو المستنقع والقاع، شخصياتهم مهزوزة، ويظهرون غير ما يبطنون، ويفعلون غير ما يقولون، ويمارسون في السر غير ما يمارسونه في العلن، يخشون الناس ولا يخشون الله، يتاجرون بالشعارات وبالكلام المنمق من أجل مصالحهم الشخصية البحتة، لا من أجل المصالح العامة، كلامهم هراء، ويصطنعون الحكمة وهم بعيدون عنها، شديدو اللهفة وراء ما يحقق لهم رصيداً مالياً ضاربين من أجل ذلك بعرض الحائط القيم والموازين كافة، مراؤون خداعون ويحترفون الكلام المعسول الذي لا يأتي بفائدة، يحاولون افتراس العقول، وخلط الأوراق، مثلهم مثل الجراثيم التي تفتك بالأجساد، يحسبون أنفسهم أذكياء وغيرهم سذجاً وأغراراً، لديهم وسائل خداع متنوعة وكثيرة، يحاولون أن يكونوا صيادين ماهرين لكن شباكهم مهترئة وممزقة، مشاريعهم ذاتية، لا يؤمنون إلا بما يدر عليهم بأرباح ومنافع ويجلب لهم المكاسب.
إن الأعمال التي يمارسها هؤلاء (الهطلسيون) غير مجدية وغير نافعة وليس فيها تميز وتفرد، سوى الضرر والسفه وجلب العتمة، إنهم يختلفون اختلافاً جذرياً عن أصحاب التاريخ المجيد، والمواقف الوطنية، وأهل القيم والثوابت، وأصحاب الضمائر الحية، والإنسانية العالية، الذين يسعون للناس ومن أجل الناس، وينبذون الذات والنرجسية والأنا، إذا قالوا يفعلون، والذين أن تفوهوا بكلمة واحدة كفيلة بأن تغمر الإنسان بالصفاء والنشوة والراحة، شتان ما بين هؤلاء وأولئك، بين أصحاب القيم، وبين الذين لا يجيدون سوى التمرد والجحود والنكران وسوق الأراجيف والأكاذيب.
إن (الهطلسيون) علة اجتماعية كاملة، وهم كامنون وراء كل سوء، وخلف كل معاناة مريرة، إنهم حمقى يتاجرون بالتهريج السقيم، ويخلطون الحابل بالنابل من غير خجل ولا حياء، إن ابتساماتهم عريضة لكنهم يخلطون وراءها سذاجة دفينة و(خبالاً) كثيفاً، ودجلاً مخيفاً، وتهريجاً مقززاً.