د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تبنَّتْ وزارة الثقافة أهدافاً منتجة بتمكين المجتمع من البدء في حيازة الوضوح الثقافي ذي الثراء المتعدد؛ وبدا ذلك من خلال استيعاب مضاعف لمتطلبات المشهد الثقافي الذي يحقق الاندماج بين البيئات المحلية ومن ثم الانطلاق نحو العالمية.. وذلك عندما جعلتْ الشغف معياراً لحصاد ثقافي مجزٍ يسكن في نفوس أرباب الصناعة الثقافية من خلال الهيئات الثقافية المتخصصة؛ وهو مدخل إستراتيجي ذكي للاحتراف الممنهج؛ وكما نعلم فإن الاحتراف المتخصص مطلب لمن يقف على منائر الثقافة ومنابرها؛ ولمن يُسرج خيول البدايات؛ ولمن ينسجُ برود المسير، ففضاءات المثقفين حتماً هي أصواتهم الداخلية بوصفها موئل شاعر وكاتب وصحفي ومؤلف وناقد وروائي وقاص وتشكيلي ومترجم ومسرحي وسينمائي وناشر، فلم تعد الثقافة طللاً في الصحراء نهيمُ به ونتباكى عليه؛ بل أصبحتْ الثقافة أصداءً حية لحياة الناس التي ما انفكتْ تنمو بكثافة مذهلة؛ فكل حضور فكري ثقافي حتماً تُشرَعُ من خلاله نافذة ضوء، ليكون في بلادنا سلاسل معرفة ثقافية في كل اختصاص تلتقط الإبداع وتقدمه محلياً وخارجياً فيصبح من متكآتنا الوثيرة في مجال الثقافة ولا بد أن يصحبه النقد الحر والتقويم القويم، والمراجعة المبصرة، ونتوق للاستمرار المتدفق للثقافة المنتقاة من الشوائب التي تحترم العقل ولا تلغيه وتسهم في صناعة منابع التنمية وإثراء مصباتها؛ ونريدها ثقافة ممزوجة متواشجة «تُسقى بماء واحد» وعند عقد ألوية البدايات تبرز هنالك حاجة ملحة إلى تحويل كثير من المنجز الثقافي إلى خطاب استفتاء وتقييم للتعرف على المكتسبات من ذلك المنجز وتطويره والامتاح منه، فالواقع يحتم على وزارة الثقافة القيام بعدة أدوار في ذات الوقت لبناء القدرات الثقافية الوليدة ورعاية جذور المبدعين وإحياء مآثرهم، وتسخير الوعي الثقافي ليكون مركباً حياتياً في كل الشؤون! وتأسيساً على ذلك نأمل أن تكون مرجعياتنا الثقافية قادرة على نقل الفكر الثقافي وتهيئة المناخ لإسقاطه على الصورة الذهنية لمجتمعاتنا حيث يستند عليه الاحتكام الأول في تقييم الشعوب عامة والإنسان المعاصر خاصة؛ ومن اللافت لتلك التشكيلات الثقافية الوطنية الجديدة أنها تُعدُّ لكل مبدع تمهينا لمحتويات عقله ومعايير بناء تمنحهم جميعاً الامتيازات، ومن أولويات استراتيجيات التشغيل أن لا يكون مفهوم الثقافة متكئاً على صناعة الأداء والعمل فقط؛ بل متكئاً على المعرفة الغزيرة التي تصنعالمبدعين ذوي السقف العالي من الأداء المتخصص؛ ثم إن التحولات العالمية التي أصبح لبلادنا وفير المكاسب منها تنشد أيضاً اكتمال الحضور الثقافي في المشهد السعودي لإحداث التوازن والانسجام والقيم العليا ذات الصبغة السعودية المرتبطة بتشكيل الهوية في بلادنا الغالية؛ لأن الثقافة بمفهومها الشامل مفتاح ذهبي للوصول إلى العالم؛ وكم نحتاج للقوة الناعمة بمستندها الثقافي المتنوع، وترسيخ قوي لمنهجية الثقافة في قواعد التأسيس نحو تشكيل استراتيجية تعتمد (المثاقفة) وليس (التثقيف) في برامج ومشاريع كل الفنون الثقافية.
ولا بد من الفصل بين قيمة الثقافات الماضية وما يتطلّبه الحضور الثقافي اليوم من قيم جديدة, كما يتطلب الواقع التقاط الإيجابيات في منصات الثقافة القائمة ومن ثم البحث عمن يكفل لنا وفرة ثقافية محفزة للتفكير الإبداعي في كل فن! وأحسبهم كثيراً تحتشد بهم الزوايا العامة والخاصة، ويحتاجون لانتظام صفوفهم من جديد، وتفجير الإمكانات العقلية السعودية ذات السياقات الثقافية لتتناسب مع التحولات؛ ولتكون مؤثرة وذات نسيج مقنع، ويكون الاهتمام الأعلى هو تنمية ثقافة الابتكار الثقافي في كل الأصناف المنتمية له تتصدرها الفنون والآداب والمهن والحرف ذات الجماليات الواضحة التي أفردتْ لها وزارة الثقافة محاضن خاصة تحت مسمى الهيئات الثقافية.
وتلك حزَمٌ من مناهج شتى للهيئات الثقافية التي تربعت في المشهد الثقافي التشغيلي في بلادنا تحت مظلتها الكبرى وزارة الثقافة لتلبي احتياجاً أزلياً لحياة العقول، ولتؤسس لبناء الرأي السليم وتفصل بين الأعمال المتهافتة الضعيفة التي باتت تزاحم المنتج القويم في كل منصات العرض الثقافي ومؤسساته؛ فالثقافة وإن كانت مكتسبات فردية فلا بد من متن ومتانة؛ ودعائم لتحفيز الفكر وذخائر مفضلة بدرجة عالية!!