خالد بن حمد المالك
أُتيحت الفرصة لي لزيارة عدد من المتاحف في عدد من مدن المملكة، ولاحظت الاهتمام الشخصي من أصحابها، وما بذلوه من جهد ومال؛ كي تكون هذه المتاحف بمقتنياتها وموجوداتها ناطقة بتاريخ المملكة، ومصدر إلهام لمن يريد أن يكتب عنها، فهنا في هذه المتاحف القطع الأثرية، والصورة التاريخية، والكلمة الموثقة، والأزياء القديمة، وكل ما يرتبط بآثار وتاريخ المملكة.
* *
وما وجدته في هذا المتحف أو ذاك من مقتنيات، وجدته أيضاً في المتاحف الأخرى، أي أننا أمام عدد من المتاحف تكمّل بعضها البعض الآخر، ما يجعل منها مجتمعة كنزاً من المعلومات الملموسة باليد، والمشاهدة بالعين على الطبيعة عن حقب تاريخية مضت وانقضت دون أن تعيشها الأجيال الحالية، أو تتأثر بها، أو تكون على علم باستخداماتها.
* *
فهناك أكثر من 200 متحف خاص تنتشر على امتداد المملكة، لكنها معرّضة للاختفاء والاندثار متى انتهى الاهتمام الشخصي من أصحابها بها، لسبب أو لآخر، كما أن مثل هذه المتاحف معرضة للسرقة؛ ما جعل أصحابها لا يتوسعون في المساحات تبعاً لزيادة عدد المقتنيات، وحرصهم على عرضها بشكل أفضل، لأن ذلك يتطلب مزيداً من الحماية والمراقبة والمتابعة الأمنية، وهذا فوق طاقة وقدرات أصحاب هذه المتاحف.
* *
وقد أصبحت هذه المتاحف وجهة سياحية مرغوبة ومستحبة، وكثيراً ما قام وحرص الأجانب على ارتيادها والاطلاع عليها بتنظيم وتوجيه من الجهات الحكومية المختصة، وكانت مقتنياتها تثير إعجابهم، خاصة أنها تضم أشياء نادرة مما لم يعد لها وجود أو استخدام في الوقت الحاضر، وهذا يعني أهمية هذه المتاحف، كوجهة سياحية تلبي رؤية المملكة 2030، التي تتجه نحو جعل المملكة دولة سياحية جاذبة.
* *
كانت هذه المتاحف تحت إشراف وزارة السياحة قبل انتقالها إلى وزارة الثقافة، وكانت الوزارة آنذاك - حسب علمي- تقوم بتنظيم زيارات خارجية على نفقتها لجميع أصحاب المتاحف الخاصة؛ للاطلاع على المتاحف الخارجية والاستفادة من تجاربها، كما كانت تعمل على تنظيم دورات داخلية وخارجية لأصحاب المتاحف الخاصة، وتساعد في تنظيمها وتطويرها والمحافظة عليها، مع تأمين لوحات تعريفية بجميع المتاحف، وإصدار تراخيص رسمية لها، إلى جانب قيام المسؤولين في الوزارة بزيارات تفقدية لها، كما أن هناك لجنة تنفيذية، واجتماع مجدول كل سنتين برئاسة الوزير لتبادل المعلومات والخبرات.
* *
حالياً تم ضمها لوزارة الثقافة بحكم الاختصاص، ومنذ ذلك الحين و(هيئة المتاحف) بالوزارة تدرس إمكانية عمل نقلة نوعية لها، وبالتالي أوقفت تجديد التراخيص، لأن هناك تنظيماً جديداً لها، بحكم أن هذه المتاحف ثروة وطنية، ومن الطبيعي أن يكون لدى (هيئة المتاحف) اهتمام بها وإن تأخر، حيث يجري الآن في وزارة الثقافة إنهاء إجراءات نقل اختصاص تراخيص المتاحف الخاصة من وزارة السياحة إلى وزارة الثقافة، والعمل على إعداد وتطوير اللوائح والأنظمة الخاصة بها، ويتوقّع أن يتم إطلاق التراخيص في منتصف هذا العام، فنحن في زمن الرؤية، والمتاحف الشخصية هي الآن في عيون المسؤولين بوزارة الثقافة واهتمامهم.
* *
فنحن إذاً أمام ثقافة متحفية يجب أن نعمقها، ونشجع عليها، وندعمها، ونساعد على تنظيمها، وحمايتها من الإهمال متى غاب أو انصرف صاحبها عنها، ففي سكاكا وبريدة وحائل، وغيرها مخزون كبير من الآثار في متاحف غنية بالموجودات، والأدوات، والقطع الأثرية، التي ترتبط بحياة الآباء والأجداد من أسلحة، وأدوات للأكل والشرب، ومثلها أدوات للزينة، والملابس، والعملات، والأدوات الزراعية، وكثير مما له علاقة بالحرف القديمة، وتصنف على أنها تراث إنساني، وجزء من تاريخ وتراث هذه البلاد النادر.
* *
بانتظار أن نرى في الأنظمة الجديدة بعد اكتمال نقل الاختصاص إلى وزارة الثقافة ما يطمئن أصحاب المتاحف الخاصة على مستقبل متاحفهم، ويزرع فيهم الثقة على أنهم على موعد قريب مع تنظيم مفرح لهم، وأن التنظيم القادم لهذه المتاحف سيكون امتداداً للنجاحات السابقة، وتعزيزاً لتشجيع الآخرين على عرض ما لديهم من مقتنيات أثرية في متاحف تكون واجهة وناطقة بتاريخ المملكة وآثارها المغيَّبة حتى لا يطويها النسيان.