الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف
لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع منطقة الرياض ومجتمعها قصص كثيرة رائعة ونادرة من المحبة والتلاحم والتقارب والوفاء لم تروَ تفاصيلها بعد، ولعل إحداها قصة مشروع واحة الملك سلمان للعلوم.
لا أنسى مساء يوم الثلاثاء 30 ربيع الأول 1431هـ (16 مارس 2010م) الذي اجتمع فيه عدد من الأهالي من أعيان ورجال أعمال في تظاهرة رائعة أظهروا فيها محبتهم وولاءهم وتقديرهم الجزيل لأميرهم صاحب الأيادي المنجزة للتطوير والتنمية؛ الذي خدم منطقة الرياض وسكانها لأكثر من خمسين عاماً بكلِّ محبَّةٍ وتفانٍ وإخلاص. وليس بغريب على أهالي الرياض وسكانها مشاركاتهم المجتمعية في المشاريع التنموية، ولكن الجميل في ذلك الاجتماع ما حصل من تسابق وأريحية في المشاركة تُوِّجت بجمع أكبر مبلغ مشاركاتٍ مجتمعيَّة، حيث وصل المبلغ في ليلةٍ واحدةٍ إلى حدود الأربعمائة مليون ريال.
تذكرت في تلك الليلة ما سبق وقاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك، في الاجتماع التعريفي بالمشروع في قصر الحكم صباح الاثنين 25 محرَّم 1430هـ (22 يناير 2009م) بما نصُّه: «إن رجال الأعمال والميسورين إذا دُعوا إلى التبرُّع لأيِّ عملٍ خيريٍّ وكانوا واثقين من حسن تصرُّف الجهة التي تتلقَّى تبرعاتهم، فلن يتردَّدوا في التبرُّع لعلمهم أنَّ تبرُّعاتهم سوف تستثمر في مشاريع يستفيد منها المواطنون». كانت كلماته، حفظه الله، معبِّرةً عن واقعٍ معاشٍ انتهجه سلمان بن عبد العزيز في منطقة الرياض وجعل القائمين على مثل تلك المشروعات يتحمَّلون مسؤولياتهم بأن يكونوا على قدر الثقة والمسؤولية.
كان ذلك التفاعل ترجمةً عمليَّةً لمقولة سموِّ الأمير سلمان بن عبد العزيز ودليل محبة وثقة من الأهالي، وكانت ليلة احتفاءٍ وتكريمٍ لرجلٍ استحقَّ بجدارةٍ أن يكون أمير أمراء المناطق بخبرته ومعرفته وجلده على معارك التنمية والإنجاز والوفاء والتي تحقَّق منها بحمد الله الكثير.
سلمان بن عبد العزيز شخصيَّةٌ نادرة، تتميَّز بمحبِّتها لوطنها ومجتمعها، وبوفائه لولاة الأمر والمخلصين من رجالات الدَّولة والمجتمع بصفة عامة. وقد تُوِّجت تلك الصِّفات والسَّجايا باستمتاعه، حفظه الله، وتفانيه في تأسيس ودعم الأعمال الخيريَّة والمجتمعيَّة، يبذل الكثير للتكريم والاحتفاء بالآخرين بكل أريحية منكراً ذاته ونفسه في سبيل وطنه ومجتمعه، ويبادر في تحويل مناسبات التكريم إلى مشاريع وطنية تبقى للناس وتنفعهم.
حرص، يحفظه الله، على تغيير المفهوم العام عن الاحتفالات والتكريم لشخصيَّاتٍ قياديَّةٍ ووطنيَّةٍ إلى مفهومٍ وتوجُّهٍ سلمانيٍّ مختلفٍ كان يسميه الاحتفاء بدلاً من الاحتفال. إنَّها ثقافةٌ اختطَّها وحافظ عليها متمثلاً في ذلك رؤية ونهج الملك عبد العزيز، طيَّب الله ثراه، حيث تعودت الرياض ترجمة الاحتفاء بقادتها ورموزها في مشاريع خلاَّقةٍ تفيد وتبقى، وتحوَّلت جميعها إلى معالم تنمويَّةٍ لخير الوطن والمواطن منها مكتبة الملك فهد الوطنيَّة، مركز الملك عبد العزيز التاريخي، مركز الملك سلمان الاجتماعي، جامعة الأمير سلطان، حدائق الملك عبد الله العالميَّة، وواحة الملك سلمان للعلوم.
تعود فكرة مشروع واحة العلوم إلى عام 1405هـ (1985م) وقد تم تحديد موقع المشروع في أرض مطار الرياض القديم والذي كان من المقرر أن يتحول جزء منه إلى منتزهٍ عامٍّ، إلا أنَّ الأمور لم تسر كما كان مأمولاً.
استمرَّ العمل والجهد الحثيث أنذاك من سموِّ الأمير سلمان بن عبد العزيز في متابعة المشروع، وتم بتوجيهه الكريم في عام 1424هـ (2004م) ضم مشروع الواحة لمؤسسة الرياض الخيريَّة للعلوم، وهي مؤسسة خيرية غير ربحية أسسها، حفظه الله ورأس مجلس إدارتها عام 1419هـ ( 1999م) على قواعد قوية ومتينة، وأمدَّها بجزيل دعمه وكريم توجيهه وثاقب قيادته حتى نمت وتألقت بمنجزاتها ومخرجاتها.
وصدرت في عام 1431هـ (2010م) موافقة المقام السامي على تخصيص أرض ليقام عليها مشروع الواحة، بمساحة تبلغ 200 ألف متر مربع في موقعٍ متميِّزٍ على طريق الملك عبد الله في النَّاحية الشَّماليَّة الغربيَّة من أرض مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ويجاور الموقع عدداً من أكبر الصُّروح العلميَّة والتقنية ومراكز البحث العلميِّ من بينها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك سعود، ووادي الرياض للتقنية، ومجمع تقنية المعلومات والاتصالات.
وقد بذل مسؤولو مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كلَّ ما يستطيعون لتسهيل الأمر. وقد اكتملت أعمال تصاميم المشروع بإشراف من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بناءً على مذكرة تفاهمٍ بين مؤسسة الرياض الخيريَّة للعلوم والهيئة ، تتولَّى بموجبها الهيئة العليا أعمال الإدارة والإشراف على تنفيذ المشروع.
وفي الإطار ذاته، ومن جانب آخر مساند وفي عام 1428هـ (2008 م) وبناء على توجيه سموِّ أمير منطقة الرياض، قامت أمانة منطقة الرياض بمبادرةٍ لتأسيس مكتبات الطفل في الأحياء، وأطلق على المشروع اسم واحات الأمير (الملك) سلمان للعلوم في الأحياء. وتعتبر واحات الأحياء استثماراً وطنيَّاً كبيراً في مجال الترويح والتثقيف والتعليم بالترفيه. وقامت الأمانة في المرحلة الأولى بالتخطيط لتنفيذ «واحات الأمير سلمان للعلوم في الأحياء» في خمسة عشر موقعاً تغطِّي نطاقات البلديات الفرعيَّة بالرِّياض، وكان الهدف أن تأتلف جميعها في شبكةٍ ترتبط وتتصلُّ بمشروع واحة الملك سلمان الرئيسيَّة لتمثِّل حاضنةً وطنية للمعرفة ومرفقاً لتيسير البحث العلمي عند الناشئة، وأن تقوم الأمانة في المرحلة الثانية بتنفيذ عددٍ من هذه الواحات في جميع محافظات المنطقة لتكوّن شبكة من الواحات المترابطة مع بعضها، فتُسهِم في ربط جيل منطقة الرِّياض الجديد علميَّاً وترويحيَّاً ومعرفيَّاً. وخطَّطت الأمانة أن تليها مرحلةٌ ثالثةٌ ينتشر فيها مشروع الواحات ليعمَّ جميع مناطق المملكة لتكون بذلك أكبر شبكة معرفيَّة للتواصل والتعليم بالترويح على مستوى الوطن. وقد تم -بحمد الله وتوفيقه- الانتهاء من تشييد عدد من الواحات، ويتم افتتاح باقي الواحات تباعاً.
بذور الخير للعمل المؤسسي من سلمان الوفاء كثيرةٌ وكلُّ بذرةٍ منها تتكاثر بالخير والإنجاز والعطاء، ومنها مؤسسة الرياض الخيريَّة للعلوم الرَّاعية والمظلة لمشاريع نوعية مثل جامعة الأمير سلطان، وواحة الملك سلمان للعلوم وغيرها الكثير من المناشط العلمية والمعرفيَّة الأخرى. وتشرف المؤسسة اليوم برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز لها، والذي استمر على نهج الدعم والمؤازرة لكل ما يخدم المؤسسة ومشاريعها القائمة والمستقبلية.
ما يسعدنا بعد افتتاح مشروع واحة الملك سلمان للعلوم يوم الأربعاء 9 جمادى الآخرة من هذا العام 1443هـ (12 يناير عام 2022م) هو أن مؤسسة الرياض الخيريَّة للعلوم التي بذر بذرتها ورعاها سلمان بن عبد العزيز أصبحت على موعد مع المستقبل المضيء الذي يعم جميع وطننا الغالي وفي كلِّ مناحي الحياة، في ظلِّ رؤية المملكة 2030 والتي يقودها باقتدار ويوجِّهها بجدارةٍ صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الشابِّ المتألِّق والطَّموح محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
وقد مكَّن الدَّعم المستمر لمشروع الواحة من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله، من خروجها على أرض الواقع حاضنةً للمعرفة كأحد المعالم والوجهات العلميَّة والثقافيَّة لتحفيز الإبداع العلمي والمعرفي. وستتمكن الواحة - بإذن الله - بعناصرها المتنوعة وبما بينها وبين جامعة الأمير سلطان من ارتباط وشراكة أن تشارك - بإذن الله - بفعاليَّةٍ وبكلِّ اقتدار في تحقيق بعض المستهدفات الوطنيَّة التي يقودها ويشرف عليها سمو ولي العهد رئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار حفظه الله.
كما ستكون الواحة وجامعة الأمير سلطان، ضمن منظومة من المؤسسات غير الربحية الفاعلة التي أسَّس لها ويرعاها بدعمه وتوجيهه سمو ولي العهد، كمؤسسة محمد بن سلمان «مسك الخيرية»، ومشروع مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحيَّة، وغيرها كثير مما يخدم الأهداف التنموية والعلمية والمعرفية والتقنية لتحقيق رؤية 2030.
إن قصة مشروع واحة الملك سلمان للعلوم مثال للتكامل والتعاضد بين الأهالي ومختلف الأجهزة الحكومية تحت قيادة وتوجيهات سلمان بن عبد العزيز. وهذه القصة هي غيضٌ من فيض قصص الوفاء والإنجاز في رياض سلمان بن عبد العزيز، وهي تدعو بالضرورة للمزيد من التاريخ والتوثيق الأوسع لمثل هذه القصص التنموية التي يتجسد فيها الإنجاز والوفاء بكل معانيه.
** **
نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم - رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان