عبد العزيز الصقعبي
إلى:...
أنت تقول إنك موظف وملزم بتأدية عملك، لا بأس، ولكن هل هذه هي الطريقة السليمة للعمل، هذه الطريقة التي تُبنى على الشك، والريبة، المؤسف أنك في مكان يحتاج إلى مواصفات معينة، وأنت كما تقول «عبد مأمور» تنفذ ما يطلب منك، ولكن..، عذراً أولاً لهذه البداية غير المهنية في توجيه رسالة إلى شخص ما، هذا الشخص لا أعرفه تماماً ولا أتذكر ملامحه، ولكن أتذكر الموقف الذي عشته وعاشه كثيرٌ ممن ابتلي باقتناء الكتب، وجلبها من الخارج قبل سنوات، ليمر عبر أحد منافذ القدوم للمملكة، ليستوقفه أحد العاملين في ذلك المنفذ وبعد تفتيش حقائب السفر ينتبه لوجود بعض الكتب، تلك الكتب تغادر الحقيبة، لتتجه إلى مكتب لرقابة المطبوعات، يطلع عليها موظف، هذا الموظف هو أنت أيها الذي أوجه إليه رسالتي لهذا اليوم، أعرف أنك تنفذ مجموعة من الأوامر غير السليمة، بالذات في منع الكتب، في وقت يكون الحصول على الكتاب المطبوع ليس بالسهولة، فلا أماكن لتوزيع الكتب كما هو الآن، ولا كتب إلكترونية تصل لكل يد في كل مكان وزمان، ليس أمامنا إلا كتاب ورقي نحصل عليه بعد أن ندفع أمولاً للسفر والإقامة إضافة إلى قيمة الكتاب، وعندما تصل إلى يدك، تحتفظ بذلك الكتاب، ربما تمتلك ثقافة جيدة، وهذا نادراً، فتعرف أن الكتاب علمي أو أدبي، ولا يوجد به ما يمنع دخوله، فتجيزه مباشرة، وهذا حدث لي كثيراً، ولكن أنت لم تكن كذلك، كنت موظفاً، تحتفظ بالكتاب، تكتب عنوانه مع بقية الكتب في قائمة، لأراجع فرع رقابة المطبوعات بعد الاطلاع على محتوى تلك الكتب ومن ثم إجازتها أو منعها.
هل أصف لك مشاعري أو مشاعر كل واحد أبتلي بحب اقتناء الكتب مثلي، إنه يمارس إدمان خاص، فعلاً أشبه بالإدمان ندفع مبالغ كبيرة لحضور معارض الكتب، ونشتري، ونحن نتوقع أن يكون حظنا جيداً لتوضع تلك الكتب على رفوف مكتباتنا المنزلية، ولكن ليس كل مرة تسلم الجرة، فيكون حظنا أن يكون المراقب مثلك، لا علاقة له بالكتب والقراءة ولكنه موظف وملزم أن يمنع دخول الكتب، أو أضعف الإيمان تحويلها للرقابة لإجازتها، وقد تعود لنا، أو غالباً لا تعود إلا بواسطة، مشاعر يدخل فيها الخوف، والرغبة، والحزن، والفرح، يدخل فيها الضعف والقوة، تجعل كل واحد منا يرى أن ذلك الرجل الذي لم يقدر المثقف والقارئ عدو، وبالطبع لا مجال للجدل أو رفع الصوت أو القيام بأي تصرف غير مثالي، فهذا الرجل الذي هو أنت تطبق النظام، على الرغم من أن النظام لا يمنع من الكتب إلا ما هو مخالف للعقيدة والدولة، وأتفق معك هنالك كتب كثيرة يجب أن تمنع ولا تصل للناس العامة، من ذلك كتب السحر كمثال، ولكن ما لدي كانت كتب أدب، إبداع، لا يوجد بها ما يمنع، ولكن أنت احتفظت بها، وطلبت مني أن أراجع الوزارة، حينها قلت ليس لدي الوقت لتستمع لشرحي حول كل كتاب، محتواه، وأهميته لي كقارئ وباحث، أعتقد كل محب للقراءة في زمن التسعينات الميلادية وما قبلها، لديه كثير من القصص حول الكتب التي جلبها من الخارج وعبر بها عبر المنافذ الحدودية، قصص بعضها محزن وكثير منها مضحك، الكتاب خير صديق، هذا الصديق لم يكن متوفراً بصورة جيدة في مكتباتنا في ذلك الزمن، إضافة إلى عدم وجود المكتبات العامة والتجارية التي تواكب ما يصدر من كتب حديثة، بل لا يوجد فعلياً مكتبات عامة، حينها ملزم أن يكون لكل قارئ مكتبته الخاصة، ويغامر بجلب الكتاب من الخارج.
أنت لو بقيت في وظيفتك، مراقب كتب، في منفذ حدودي، هل تستطيع أن تمنع آلاف الكتب التي ربما في كل جهاز حاسب محمول، وكمبيوتر كفّي بل في كل جهاز هاتف محمول، الزمن تغير، والكتاب أصبح متاحاً، أعتقد أن مكتبك الموجود في المنفذ الحدودي قد أغلق، هل هذا صحيح، والكتاب يأتي بسهولة دون سفر، عبر منصات بيع الكتب، والاقتناء من الخارج عبر حضور معارض الكتب أصبح ترفاً وليس ضرورة كما في السابق، ولكن قبل أن أنهي كلامي، أقولها بكل صدق، أين كتبي التي أخذتها لتقديمها للرقابة ولم ترجع إلى على الرغم بأن لا يوجد فيها ما هو ممنوع، لا وقت لديك لقراءتها، لقد تألمتُ حينها، وحزنت، ولكن ها أنا أجد تلك الكتب على أرفف بعض المحلات التجارية هنا، هل ستدون عناوينها وتصادرها، أعتقد انتهى زمن المصادرة.