د. إبراهيم بن محمد الشتوي
هذا السؤال الذي طرحته من قبل عن الدافع وراء الذين يشاهدون هذه الأفلام، كان هو الدافع الرئيس لكثير من الدراسات التي تناولت أدب الخوف وأفلامه. وعلى الرغم من كثرة هذه المشاهدات، فإن الدراسات الأدبية أو الفنية لا تكاد تذكر، وإنما تتجه غالب هذه الدراسات نحو الدراسة النفسية، وقام بها أطباء أو أخصائيون نفسانيون.
وعلى الرغم أن هذه الدراسات تنحو نحواً مختلفاً عن الدراسات الأدبية والفنية، فإن الإجابات عنها يمكن أن تفيد فيما نحن بصدده، ففي المقالة السابقة ذكرت أن ذلك قد يكون لأثر في الشخصية المشاهدة، وفي الدراسات النفسية تطرح أجوبة على هذا السؤال مختلفة، فتذكر مثلاً أن المشاهدين يحبون مثلاً أن يتعرفوا على التجارب المخيفة حتى يزيدوا من معرفتهم، فيحسنون التصرف لو مروا بهذه التجارب، وآخرون يحبون ذلك لأنه يجعلهم يجربون نوعاً من الشعور الجديد، وهو الخوف بالرغم من معرفتهم أنه خوف اصطناعي بناء على النهاية السعيدة التي سينتهي إليها الفلم، فهو نوع من الخطورة المحسوبة التي تعطيهم إحساساً غريباً. هذا الإحساس هو نوع من المتعة الجميلة، وهذا يعني أنهم لا يرون في هذه الأفلام خوفاً حقيقياً.
في حين يرى آخرون أن هذه الأفلام تمنحهم الارتفاع النفسي، أو ما يمكن أن يوصف ب»الازدهار»، ولأنهم لم يفصلوا بهذا الازدهار أو الارتفاع النفسي، (والذي يمكن أن أفسره بأنه تضخم الذات) ولكن بعيداً عن هذا التفسير فإن هذه الدراسات أيضاً لا تذكر سبب هذا الازدهار، ومن الممكن أن أفسره بأنه صورة من التفاعل الشديد مع أحداث الفلم، والتي تجعل المشاهد في موقف المدافع عن نفسه أمام ما يراه من أحداث، وهو ما يجعله يرتفع أو يتضخم متخذاً موضع الدفاع.
وهو الصورة الأخرى من التفاعل مع الأحداث فقد ذكر بعض المشاهدين أنهم يتعاطفون مع الأحداث، فيشعرون بالألم تجاه ما تجده الشخصية من آلام، وهو ما يمكن أن نصفه بأنه نوع من التقمص للشخصية الموجودة في الفلم والإحساس بإحساسها سواء كان من خلال الشعور بالتعاطف، أو من خلال الشعور بالخطر المؤدي إلى «الازدهار»، لكنهم لا يذكرون الاتحاد مع الشخصية الأخرى وهي القائمة بفعل التخويف، أو القتل والتعذيب، وواضح أن حديثهم يدور حول التماهي مع الضحية أو من خلال التفاعل مع الأحداث الدائرة في الفلم مستقلة عن الشخصيات الموجودة فيه.
وقد يكون السبب في ذلك عدم رغبة الجمهور في التعبير عن مشاعر القسوة داخل أنفسهم بالرغم مما أشرت إليه من قبل عن الشخصية السادية، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن بعض المراهقين من الذكور يجدون في مشاهدة القسوة والعنف نوعاً من السلوكيات المثيرة للاهتمام، والجاذبة للمتعة التي تغذي الجانب لوحشي لديهم.
وهناك من يرى أن المتعة في تجريب مشاعر مكثفة وشديدة مثل الخوف، وأن الإحساس بالدماغ وهو يهدئ نفسه بعد هذه الأحاسيس القاسية والمروعة يمثل متعة لا يعدلها متعة، بينما يرى آخرون أن المتعة تكمن في أنه يعيش مشاعر الخوف ثم يخرج منها سالماً معافى، في الوقت الذي يرى آخرون أنهم يتحدون معارفهم تجاه الخطر، ويكتشفون مشاعرهم حيال هذه المواقف التي ربما لا توجد في الحياة، أو يزيدون استعدادهم حيال ما يمكن أن يقع لهم من مشاكل في حالة تحولت هذه الأفلام المخيفة إلى حقيقة. وقد يكون وسيلة للتدرب على القدرة على وضع خطط للنجاة في مواجهة الأخطار المحدقة بالفرد في ظروف غير طبيعية.
وأياً ما يكن، فإن هذا الأثر الإيجابي على الذين يشاهدون أفلام الخوف، يبدو في شهادات الأخصائيين النفسيين عن طريق نصهم على تعرض محبي أفلام الخوف للضغوط النفسية أقل من سواهم ممن يزور العيادات النفسية، وكأن هذه الأفلام تقدم وصفة ناجعة للتعامل مع الخوف والقلق والضغوط النفسية والاجتماعية العامة.
على أن هناك من الباحثين من يطرح محاولة تعريف «أفلام الخوف» أو «أدب الخوف»، وتحديد مفهوم له، فيرى أنه يتصل اتصالاً وثيقاً بما رواء الطبيعية «super natural»كالوحوش أو الجان أو ما يسمونه بالإنجليزية «المونستر»، أو أنه يتصل بالخوف بناء على أن مادته تدفعنا إلى التفكير في النجاة، وتعيد أسئلة البقاء، كما أنه يرتبط بما يثيره من دوافع نفسية في خيال المتلقي كالرغبة في الفرار أو القتال.
وبعيداً عن حوافز المشاهدة هذه، فإن الباحثين أشاروا إلى أنه لا صلة بين المشاعر التي يجدها المشاهد لأفلام الخوف، والمتعة، فقد يجدون المشاعر التي ذكرناها من قبل دون أن يكون هناك متعة بينة محددة من مشاهدة الأفلام، وقد يكون، وهذا يدل على أن المتعة ليست الهدف الوحيد الذي يبحث عنه المشاهد، وإنما هناك أهداف أخرى.
وقد يدفع هذا إلى السؤال عن مفهوم المتعة، وإذا ما كان متصلاً بشعور معين، يتصل بالسرور ونشاط النفس، أو الخفة ونحوها، أم هو متصل بالرغبة بمواصلة المشاهدة، وقضاء وقت معين فيه، ما يعني أن مفهوم «المتعة» مفهوم واسع يشمل مشاعر متنوعة تتصل بحالة النفس واستقرارها بعيداً عن السرور أو ما يماثلها من سلوك.