استهوتني الكتابة عن إبليس، هذا المخلوق الاستثنائي العجيب الموغل في الطغيان، أشغل العالم حتى أنه لم يبرح زاوية في الأرض إلا زارها كي يعكر عليهم صفو حياتهم، إبليس الذي كان وما زال وسيظل جزءا من حياتنا اليومية شخصية شريرة، له وظيفة محددة وهي إفساد العالم، وهو جزء من عقيدة المسلمين، فالإيمان بوجوده واجب شرعي، وموجود في كل الأديان مع اختلاف المسميات والطرق التي يغوي فيها البشر، إبليس يسعي إلى لخبطة تفكيرك وربما يقوم بالاستحواذ على عقلك لتتحول بعده إلى شيطان آخر، فتكون نسخة إبليسية حقودة حسودة تكره النبلاء، تغار منهم بشكل مقرف تحاول التعكير على أمزجتهم تختلط عليك المفاهيم، تقدس رموز الجهل معتقدا أنه الصواب، قال تعالى: (وزين لهم الشيطان أعمالهم) إبليس يدفعك لإيذاء نفسك وإيذاء البشر.
وثمة سؤال يلوح في بالي بين الفينة والأخرى: هل الإنسان الشرير يولد شريرا ويكون جاهزا ويتحالف مع إبليس ويكون من جنوده؟ أم أن الأصل في الإنسان الخير بشكل عام ثم يتسلط عليه إبليس حتى يكون من خدمه؟ بل ربما يكون أشد منه إيذاء، إبليس من المخلوقات ذوات العمر الطويل أظنه لا يموت إلا إذا مات الناس كلهم بدليل قوله تعالي (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) فإبليس وسيلة اختبار لكل البشر.
العجيب أن جنس إبليس لم يحسم عند علماء التفسير، فالخلاف في ذلك طويل هل هو من الجن أم من الملائكة؟ ويرى بعض المفسرين أنه أبو الجن لذلك من المنطق أن إبليس له زوجة إذا كان أبا بدليل (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) فالذرية لا تأتي إلا من التزواج والتوالد، وخاض أهل التفسير في كيفية توالد ذريته بأقوال غريبة!
واستدلوا ببعض الآثار الواردة. ولا يعرف جنس زوجته، وماهيتها.
دائما نتخيل صورة إبلبس بأبشع الصور لاقترانه بالشر، لو طُلب من كل شخص أن يرسم إبليس وكيف يتخيله لرأينا معرضا فنيا غريبا تبدع فيه ريش فناني الرسم؛ يتم فيه عرض أبشع الصور التي رآها الإنسان وقد نرى ترجمة صادقة لخيالات المبدعين، فيتحول المعرض إلى مزار فني مبهر، ويمكن تسميته معرض الرسومات البشعة.
ورد في أكثر من حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه يأكل كأكلنا، بدليل أنه يأكل مع الإنسان إذا لم يسم الله، فالأمر غريب كيف يأكل كأكلنا وتركيبة جسمه ليست كمثل البشر؟ فهو مخلوق من النار ولا أدري هل له جهاز هضمي، ولكنها قدرة الله سبحانه، أحيانا يسمى في القرآن إبليس وأحيانا الشيطان، لو منحني الله مقدرة لأجلست إبليس على كرسي الاعتراف، وطرحت عليه أسئلة عن جرائمه في الدنيا؛ لو تم ذلك لسألته وقلت: لماذا أخرجت آدم من الجنة وحرمت البشرية المتعة الجميلة في جنات الخلد حرمتنا تلك الحياة الفاخرة في الجنة التي حدثنا عنها القرآن والتي فيها ما لذ وطاب؟
وقد تستوقفني أسئلة عن بعض أحداث الدنيا فأقول له: لماذا تسببت في إشعال الحربين العالميتين التي راح ضحيتها سبعون مليونا؟ قل لي بالله عليك أيها الشيطان هل أنت تستمع بإراقة الدماء، وتستمتع ببكاء الأيتام والأطفال، فتغتال فرحتهم وتستلذ بتشريد البشر وقتل الشيوخ؟ ثم كيف استطعت أن تقنع هاري تورمان بإسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما وتنهك الحياة هناك؟
ثم ما هي طرق الإقناع التي استخدمتها لإقناع كارل ماركس ليؤلف كتابه الشيوعية الذي يقرر في كتابه إنكار وجود الله سبحان وتعالى، وأنت تعلم أنه موجود؛ وأكثر إيمانا من بعضنا بوجوده وتعلم أنه أوجدك وأخرجك من الجنة؟
وأسأله عن الأسباب التي تجعله يفرق بين الزوجين ويثير بينهما المشكاسات ويضخم مشاكلهم ولا يقر له قرار حتي ينفصلا ويتشردا ويتبعثر أطفالهم.
إبليس له عرش في الماء، يدير جنوده هناك، ورد ذلك عن النبي في صحيح مسلم «إنَّ إبليسَ يضعُ عرْشَه على الماء، ثم يَبْعَث سَراياه، فأدْناهم منه منزِلةً أعظمُهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فَرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، قال: فيُدْنِيه منه ويقول: نعم أنت».
والأكيد أن الله تعالى وهبه صفة الذكاء، والدليل أنه ينجح في مهمات كبيرة تركز على تدمير البشرية أفرادا ومجتمعات.
وإبليس حلف بالله أن يفسد البشر إلا الصالحين (فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، مع أن الله تعالى قادر على كفه عن ذلك فهو خالقه ولكنها حكمته سبحانه.
** **
- صالح سليمان الربيعان