نستأنف الموسم الثاني من (ذاكرة الكتب)، وكانت السلسلة الأولى قد صدرت في العدد: (17033- 17673) ضمت (28) شخصية ثقافية، حاورناهم للحديث عن تجاربهم القرائية، وعلاقتهم بالكتب وأبرز المواقف والقضايا التي مرت بهم خلال مرتحلاتهم بين عوالم الكتب؛ وتجاربهم مع الإصدارات. أصدرها - مشكورًا - أدبي الجوف، ضمن برامج نشره في كتاب حمل نفس اسم الزاوية نهاية العام 2021م.
في هذا العدد، نستضيف الباحث المصري القاص والكاتب الأستاذ (محمد نجار الفارسي) وفي مستهل حديثنا قال: «شأني شأن الغالبية من كُتاب العربية، نشأت في قرية وبيئة لا تهتم بالكتب، اللهم الكتب الدينية التي كانت تتواجد باستحياء، مع زمرة المهتمين بالقراءة، غير أن ذلك لم يمنع والدتي وأنا في الصف الثالث الابتدائي (تقريبًا) أن تأتيني بكتاب من إحدى صويحباتها لأقرأه لها، كان بصري أول مرة يصافح كتابًا من هذه النوعية من الكتب الثقيلة لغةً وأسلوبًا، تخونني الذاكرة في استجلاب اسم مؤلفه، إلا أنه يتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج لنبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام، رحت أنهل من مفرداته غير واعٍ لمعانيها ودلالاتها، غير أنها؛ مفرداته ووقائعه، أثارت خيالي وما زالت، وفيما بعد عرفت أن هذه الرحلة كانت سببًا مباشرًا للشاعر الإيطالي الأشهر (دانتي) في تأليف الكوميديا الإلهية، في القرن الرابع عشر، ولنا أن نتحسر لما آلت إليه أمتنا العربية؛ فكيف كنا فاعلين في الثقافات الأخرى، ثم أمسينا مفعولاً به.
هذا كتابي الأول الذي قرأته إن استثنيت بعض مجلات الأطفال كماجد وبطوط وغيرهما، التي كان العثور عليها كمن يعثر على ماء في فلاة قاحلة.
نسخة قديمة تعود للعام 1972
أول كتاب اشتريته كانت نسخة قديمة تعود لعام 1972، لرواية (وهبت العاصفة) لعمنا الروائي القدير عبد الوهاب الأسواني الذي لم ينل شهرة تجزله حقه، كان لها علي عظيم التأثير، فقد تعلمت منها أن أصدق الكتابات، هي ما خطها الكاتب عن واقعه المكاني والزماني، فالأسواني كانت نشأته الأولى في القرية الأسوانية، ومن ثم أجاد التعبير عنها، ونجيب محفوظ كانت الحارة المصرية، ومحمد البساطي كانت السواحل، وإبراهيم الكوني الصحراء.
الكتاب الوحيد في قريتي
أول كتاب استعرته كنت تقريبًا في المرحلة الثانوية؛ كتاب (زمن فيفي عبده)، الكتاب الوحيد المتاح في قريتي والذي استحوذ على اهتمام غالبية الملمين بالقراءة، كان وقت نشره بداية عصر الصحافة والكتب الصفراء، التي كانت تعبيرًا دقيقًا عن واقع الهرم الاجتماعي المقلوب. حينها علمت أن للكلمة المكتوبة صدى، بل شأن بالغ التأثير، بداية في الطبقات الدنيا انتهاءً بالنخبة، ولكن يجب أن تكون الكتابة ناهضة للأمة وليست مدغدغة للمشاعر، خائضة في أعراض الناس.
أما أول كتاب ألفته، مجموعة قصصية بعنوان (الفوارس)، وصدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بوزارة الثقافة، كتبت قصصه وأنا دون العشرين عامًا، ونشر وأنا على أعتاب الخامسة والعشرين، ظلت المجموعة حبيسة أدراج هيئة قصور الثقافة أكثر من ست سنين، تنتظر دورها بعد إيجازها للنشر، لدرجة أنني يئست ولم أعد أهتم بالسؤال عنها، وإذا بقريب لي يتصل بي ويبشرني بكتابي الأول في المكتبات، وأنه اشترى كل ما وجده عند البائع .
وأوضح الفارسي أن العصر الحالي لا توجد فيه صعوبات وعوائق تقف أمام حصول القراء على الكتب قائلًا: الحقيقة في العصر الحالي لا توجد صعوبات في إيجاد كتاب ترغبه، ولكن الصعوبة في القدرة المالية في شراء الكتب، فأسعارها تقارب عنان السماء، والعائد المادي من الكتابة قليل، لا يقيم صلب الكاتب وصغاره. فلولا بعض الجهات الداعمة لنشر الكتب، ما قرأنا وبالتالي ما كتبنا.
وفي معرض إجابته عن الكتب الموصى بها للقراء بين الفارسي أنه لا يمكن أن يختار كتابًا واحدًا للقارئ الكريم، إذ إنها عدة كتب، فالكتب أفكار، والأفكار تكمل بعضها بعضا، مثل الشريعة الإسلامية؛ فلا يمكن أن تصلي بدون صيام ولا زكاة ولا صدق ولا أمانة ... إلخ، فقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} معناه لا تأخذوا شيئًا من شرع الله وتتركوا آخر، وكذلك القراءة، فكل كتاب نقرأه يرسي لبنة في بناء عقولنا. وأضاف فأول كتاب أضعه للقارئ الكريم، (كتاب الله)؛ القرآن الكريم، لأن لا استقامة ولا ريادة لنا إلا بتطبيق أحكامه، فحين نعمل بجد، ونقسط فيما بيننا، ونصدق القول، ونؤدي الأمانات، وووو التي هي تعاليم القرآن، ستكون لنا الريادة. والكتاب الثاني ( واقعنا المعاصر) لمحمد قطب، وهو كتاب كثير المنفعة فيجيب عن عدة تساؤلات؛ تساؤلات الشباب المتطلع إلى تحقيق الإسلام في عالم الواقع: لماذا طالت المسيرة؟ لماذا تأخر التمكين؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟ وفي الأدب أشير إلى رواية (التبر) لليبي إبراهيم الكوني، فهي رواية كتبت بمهارة بالغة، وفيها الحس الإنساني عال، وهذا ما نريده من الأدب؛ الشعور بالجمال. أما النقد فأحيله لكتاب د. حلمي القاعود (الرواية التاريخية في أدبنا الحديث) ففيه دراسة وافية لبعض النماذج المختارة من الرواية التاريخية من جورجي زيدان حتى عام 1989، فهو مفيد لكل من أراد أن يكتب رواية تاريخية.
** **
- محمد هليل الرويلي