لقد أتيحت لي الفرصة لمعرفة الأستاذ القدير السيد عدنان العوامي منذ سنوات، فعرفت فيه جوانب كثيرة لا تكفيها كلمة قصيرة كهذه، ولكني سأركّز على بعضها في هذه الأسطر القليلة، وهي في الحقيقة لا تفي بما يستحقه من اهتمام وتقدير، وليست كافية في التعبير عن كل ما أعرفه من معلومات متناثرة ومتباعدة عن شخصه الكريم وعن منجزاته الأدبية ودوره في أعمال ومنجزات عديدة كالعمل الاجتماعي والإنساني.
يُعد السيد عدنان العوامي من الرجال القلائل الذين يحملون الهمّ العام للمجتمع في الجانب الإنساني العميق، ومن ذلك ما يخصّ الثقافة بكل أبعادها ومستوياتها المتنّوعة.
ومع دوره المتميز في التاريخ والأدب فهو - بلا شك - من أهم المصادر التي تؤرخ للمتغيرات الاجتماعية في بلادنا منذ فترة الكتاتيب وما رافق تلك الفترة من أساليب ووسائل وعادات تمس حياة الناس اليومية، ثم ما تلا ذلك من تغيرات سريعة ومثيرة في مجال الصناعة والعمران والطرق ووسائل النقل وخاصة بعد ظهور النفط وانتشار التعليم وتطور الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
يأسرك هذا الرجل الجليل حينما يتحدث عن ذكرياته في طفولته ويدهشك بالمعلومات الدقيقة والتفصيلية عن وسائل العيش والعلاج والتنقل والتعليم، وطبيعة حياة أفراد المجتمع والعلاقات التي تنشأ بينهم وأشكال العادات والتقاليد التي كانت متبعة في تلك الفترة. ينقل أحاديث كبار السن وحكاياتهم والصعوبات التي واجهوها لشق طريقهم في التعايش مع مجتمع يكاد يكون جديدا حيث بدأت معالمه تتشكل بعد فترة ما يعرف بالطفرة النفطية. فقد وجدت البيوت المسلحة ذات الطراز المعماري الحديث ودخلت الآلات ومكائن دفع الماء في البساتين والمزارع، كما زاد عدد السيارات وبدأت وفود العمال الأجانب تدخل في المجتمع من خلال عملهم في النهضة الحضارية. ومع كل هذه الأحداث والوسائل والمتغيرات بدأت معالم حياة مختلفة تسيطر على أغلب أفراد المجتمع وتنعكس على سلوكهم وتفكيرهم، كما ساهمت في تكوين تصورات شعبية ما لبثت أن أصبحت أنماط سلوك يسهل رصدها في معطيات مادية كالملبس والمأكل واللغة والعادات. جدير بالذكر أن الاستاذ العوامي حاضر الذهن في سرد الأحداث والوقائع، ولا تغيب عنه الرؤية الثاقبة من خلال نظرة المقارنة بين ذلك الزمن والوقت الحالي، فهناك جوانب إيجابية في العلاقات الاجتماعية اندثرت وبعضها لا يزال قائما ومرتبطا بقيم ثقافية راسخة.
إنه شاهد حيّ على مجمل التفاصيل في حياة المجتمع السعودي، وكيف تطورت كثير من أساليب الحياة، وكيف تغيرت كثير من أساليب التعامل في قضايا كثيرة مثل الزواج والسفر والعمل والفنون والفلكلور والتجارة والصناعة والزراعة ومهام المرأة وشكل العائلة وأدوار أفرادها.
إنه مرجع أساسي للمعلومات الأدبية وخاصة تلك المتعلقة بالمنطقة الشرقية ودور رموزها في الشعر والقصة والنقد، وكذلك في مستوى التبادل الثقافي مع أدباء العراق المتميزين في ذلك الزمن.
وكم نحن بحاجة لتوثيق الكنوز المعرفية التي يحملها لتكون زادا للباحثين والمهتمين بدراسة المجتمع والفلكلور والثقافة. ولطالما بذل أستاذنا الوفي أبو يعرب محمد القشعمي جهدا لا مثيل له في تسجيل لقاءات شفهية مع عدد كبير من رموز الفكر والأدب واللغة والتاريخ والمسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن كانت لهم بصمة في تشكيل الوعي والثقافة في بلادنا، وأملنا أن يجد هذا المشروع من يعيد إحياءه بعد أن تطورت سبل توثيق التراث الشفهي وتنوعت أساليب استدعاء محتوياته وعناصره المركزية. فهناك أجيال كثيرة من الرجال والنساء يحملون إرثا ثقافيا مهمّا يحكي قصة حياة المجتمع بشتى مراحله.
إن الاستاذ الجليل السيد عدنان العوامي من الرموز الوطنية التي يفخر بها بلدنا لدوره - طوال سنوات مديدة - في بناء مكونات ثقافية عديدة لا تقتصر على الأدب واللغة والتاريخ والتراث الشعبي فحسب، بل تشمل كذلك جوانب غير مادية كالتصورات الذهنية وأنماط الشخصيات ومنظومة القيم السائدة والمتغيرة.
** **
- د. ناصر بن صالح الحجيلان