«استكمال 2»
المقوم الثالث -إذا لم يكن الأول- للفن بعد «المقدرة الفنية وتوظيفها»، اللذين ذكرناهما سابقاً هو «الموقف الاجتماعي»! فما هو المقصود بالموقف الاجتماعي؟ هل هو الأخلاق؟ أم الالتزام بالقانون؟ أم النضوج الفكري؟ أم الاعتراف بالآخر؟ أم كل هذه الأمور وغيرها مجتمعة؟
الفن بالأساس هو «تعبير عن الصراع ورؤيا لآفاق ذلك الصراع». وعندما لم يكن هناك صراع اجتماعي قبل الحضارة، كانت وظيفة الفن- سواء كان رسماً أو غناءً أو أساطير- هي: تطويع الطبيعة لخدمة المجتمع. أي كان الفن تعبيراً عن «الصراع» مع الطبيعة وتوجيهاً لـ «المجتمع» للسيطرة على الطبيعة وكيفية تسخير مواردها لصالحه!. أما بعد أن اكتشف المجتمع البدائي الزراعة وتدجين الحيوانات؛ أي بعد أن تشكل فائضًا من الغذاء عن الحاجة اليومية؛ والذي يسمى ثروة؛ خلق هذا الفائض «الصراع» الاجتماعي بين ظالم ومظلوم.
ما زال «الصراع» مع الطبيعة قائماً وسيستمر بالرغم من وجود وتفوق «الصراع» الاجتماعي واحتلاله الأولوية. وهناك بعد آخر للصراع مع الطبيعة فرضته طغمة مالية متحكمة بمصير البشرية كلها؛ وهو أن «استغلال» موارد الطبيعة؛ ليس لصالح المجتمع كله؛ إنما لصالح طغمة مالية تسمى «أوليغارشية»؛ التي حولت البشر إلى عبيد لها؛ «يسخرون» خيرات الطبيعة والتقدم العلمي لصالحها؛ والنتيجة هي الاحتباس الحراري والتلوث البيئي وظهور أمراض لم تكن معروفة؛ أي بدلاً من أن يكون الصراع مع الطبيعة لصالح «البشر»، أصبح البشر عبيداً لرأس المال وزيادة الثروة على حساب الطبيعة.
من هنا نستطيع أن نستوعب ماذا يعني الموقف الاجتماعي للفنان. فالموقف من «الصراع الاجتماعي» هو الذي يحدد هوية الفنان. وهنا لابد من فرز «النرجسيين أولاً؛ فقد تكون لدى هؤلاء «مقدرة فنية» عالية؛ ولكن وبسبب علوهم فوق المجتمع وصراعه الاجتماعي؛ لا يوجد صدى لفنهم؛ أي بالإمكان اعتبارهم خارج التاريخ والجغرافيا؛ لأن التاريخ والجغرافيا مرهونان بالصراع الاجتماعي أيضاً. ولذلك غالباً ما يروج النرجسيون لـ «العبث»؛ لأن العبث هو الوحيد الذي يبرر لهم سلوكهم الخارج عن السياق؛ فهم لا «يقفون» ظاهرياً مع الظالم ولا المظلوم؛ ولكن «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
الذي يمتلك المقدرة الفنية ويعترف بوجود «الصراع الاجتماعي إما أن «ينحاز» للظالم أو المظلوم، ولا يوجد فن بين هذا وذاك. قد يمتلك المنحاز للظالم مقدرة فنية عالية، فهل يجوز اعتباره «فناناً»؟
حسب «الموقف الاجتماعي» الذي نتحدث عنه هو مسيء للفن، ولكنه فنان! كيف ذلك؟ ... لو تفكرنا قليلاً بالسارق أو المجرم؛ فلا يمكننا بأي حال «نزع» صفة الإنسانية عنه؛ لأنه في هذه الحالة يصبح غير سوي؛ وهذا ما يعفيه من مسؤولية السرقة أو الجريمة! والأمر كذلك ينطبق على ذلك الذي ينحاز إلى الظالم بفنه. أما المنحاز إلى المظلوم فهو ليس فناناً وحسب، إنما مناضل قد يفقد ماله وعياله وحياته بسبب «موقفه الاجتماعي»! وللحديث بقية».
** **
- عادل العلي