د. عبدالحق عزوزي
ستشكل هاته المقالة آخر استقراء لأهم الأحداث الدولية التي جرت سنة 2021 وما زالت تلقي بظلالها على النظام العالمي ولها أبعاد متعددة ومتداخلة تمكن من فهم ما جرى وما سيجري في مستقبل مطبوع باللايقين:
- أقر مجلس الشيوخ الأمريكي وفي لحظة تفاهم نادرة بين الديمقراطيين والجمهوريين، مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المتطورة. وتقضي الخطة بتخصيص أكثر من 170 مليار دولار وذلك لأهداف البحث والتطوير.. وترصد هاته الخطة 120 مليار دولار للوكالة الحكومية «مؤسسة العلوم الوطنية» لتشجيع البحث في مختلف المجالات التي تعتبر رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي. كما تشمل 1.5 مليار دولار لتطوير شبكة الجيل الخامس (5جي) للاتصالات.
فالذي سيفوز في السباق على تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي «سيكون القائد في الاقتصادي العالمي» ونحن في بلداننا العربية يجب أن نطرح سريعاً مسألة التخصصات ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي التي تثير بدورها العديد من التساؤلات حول مستقبل منظومة التعليم وعلاقتها بوظائف المستقبل، وخاصة في ظل الدراسات التي تتوقّع أن تحلّ الروبوتات والأجهزة الذكية مكان الإنسان في الكثير من مجالات الحياة والوظائف في السنوات المقبلة.
- حشدت روسيا سنة 2021 أكثر من 94 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وربما تستعد لهجوم عسكري واسع النطاق.. ويخشى الأوكرانيون الذين يقطنون قرب الحدود مع روسيا أن يتكرر سيناريو الاشتباكات العسكرية والقصف الذي حدث قبل سنوات مع الانفصاليين الروس. فقد دمر هذا النزاع جنوب مدينة أفديفكا الصناعية الأوكرانية.. وتضرب أوكرانيا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي ألف حساب لتحركات القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وتثير المخاوف من تحول الصراع إلى حرب مفتوحة. وأوكرانيا هي الدولة الفقيرة في أوروبا الشرقية التي تمزقها منذ 2014 حرب بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق. وتتهم كييف روسيا بدعم الانفصاليين. وأودى النزاع بحياة أكثر من 13 ألف شخص.
والمعادلة في هاته المشكلة بسيطة: روسيا تقول إنها لا تريد أية مواجهة عسكرية مع أوكرانيا مقابل امتناع حلف الشمال الأطلسي من التواجد في حدودها؛ بمعنى أنها تدعو إلى «ضمانات أمنية» وتأكيدات على أن حلف شمال الأطلسي لن يستمر في التوسع شرقاً خاصة مع تقديم أوكرانيا طلبا للانضمام إلى الحلف. أما كييف فإنها ترفض التخلي عن سعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهو أمر تقدمت بطلب من أجله منذ سنة 2008 ولم يبت فيه بعد.
- جاءت في دراسة نشرتها مؤخراً مجلة «فورين بوليسي» حول التنافس بين الولايات المتحدة والصين للهيمنة على العالم أن سياسة بكين القائمة على العلاقات الاقتصادية مع الدول، لها قدرة على الاستمرار لمدة أطول من سياسات واشنطن المبنية على التحالفات العسكرية. والذي يظهر لي من خلال استقراء أهم مميزات الفاعلين الكبار في النظام العالمي، أن التحالفات العسكرية والعلاقات الاقتصادية هما عاملان لمعادلة توازنية واحدة، وستصبحان أهم محددات الفترة المقبلة التي ستطبع العلاقات في النظام العالمي الجديد. قارن معي: الصفقات التي أبرمتها روسيا مع الهند تهدد جوهر إستراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة توسع روسيا والصين في الشرق الأوسط وما وراءه؛ فموسكو ونيودلهي أبرمتا حزمة من الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية، ومن ضمنها صفقة تقوم بموجبها شركة «روس نفط» الروسية بتوريد نحو 15 مليون برميل من النفط الخام إلى الهند في سنة 2022 ؛ والهند ستشكل الحصة الأكبر من نمو الطلب على الطاقة على مدى العقدين المقبلين؛ كما أن زيارة الرئيس الروسي إلى الهند تتعارض مع توقعات الولايات المتحدة حول مدى نجاح إستراتيجيتها المضادة للصين وروسيا.
المهم من هذا المثال هو أنه لا يمكن لأمريكا ولا للصين ولا لروسيا من التموقع والريادة في النظام العالمي بدون تحالفات عسكرية واقتصادية في نفس الوقت خلافاً لما جاء في تقرير المجلة الأمريكية سالف الذكر.
- تستمر الصين في إنشاء طرق حرير جديدة؛ وبمرور السنين، أصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم في البنية التحتية بمثابة السياسة الكبرى للدولة.. وقد نجح الرئيس الصيني في إقناع العديد من دول العالم على النسخة الحديثة لهذا الممر الاقتصادي والتجاري. ويقوم العملاق الصيني بتغيير الخريطة الاقتصادية العالمية على جميع الأصعدة، من الحوكمة العالمية إلى القواعد التجارية مروراً باحترام البيئة وعمليات الاستثمار، من خلال توظيفه استثمارات كثيفة في جميع أنحاء العالم..