أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنا يتحدث إلى أبي عبد العزيز بلغة التخويف والإنذار، فهو خارج للتو من حدث مرير ما زالت تفاصيله غصت يتجرعها ولا يكاد يسيغها، يقول لي من باب النصح والتحذير (انتبه أن تثق بأحد، أو تشارك أحدا، أو تكفل أحدا، أو تقرض أحدا، حتى لو كان أخوك ابن أمك وأبيك)، ويسترسل في بيان الحال الذي نحن فيه مع بعضنا البعض مقارنة بما كان فيقول: (يالله، سبحان مغير الأحوال، ومبدل النفوس.. في السابق كانت كلمة الرجل هي الحاسمة، يموت دونها ولا يعيّرُ بها، لا يمكن لأحد أن ينكر ما عُلق في ذمته أو يعدل عن كلمته مهما كان الثمن، كانت القضايا يوم ذاك محدودة، والقضاء بسيطاً في آلياته وطرائقه، فالناس فيهم من الصدق والطيبة والبساطة ما يجعل الجو العام ألفة ومحبة وودًّا، يجلس المتخاصمون عند من عرف بالقضاء بين الناس في المسجد أو السوق أو عند أحدهما في بيته فيقضي بالحق لأحدهما، ويخرجان منه معاً والرضا يسكن نفسيهما والود مستقر في قلبيهما لا شحناء ولا بغضاء ولا غل ولا حسد، واليوم سبحان الله تغيرت نفوس البعض وتبدلت الأحوال؛ فصار الرجل يحلف الأيمان المغلظة على أمر ما، بينه وبين أقرب الناس إليه، ومع ذلك سرعان ما يعدلُ عمّا عقد عليه قلبه متى ما وجد فيما أُبرم معه من عقود ثغرة ينفذ منها، فينكر ما علق في ذمته، أو يتهاون في أداء ما وجب عليه سداده، أو يحاول أن يتهرب ممّن كان صاحبه بالأمس حتى لا يطلب منه حقه ويلح عليه به، وإن لم يكن ثمة شيء مكتوب– وهذا موجود وللأسف الشديد اعتماداً على الثقة وتعويلاً على القرابة أو الصداقة - فسيكون الحال أشد وأنكى، ولن تُجدي كلمات الاستعطاف، ولن تنفع عبارات الترجي وطلب النخوة، وقد يستنكر عليك مطالبتك بشيء يدّعي زوراً وبهتاناً أنه ليس لك؛ ليقينه بأنك لا تملك ما تدينه به، إذ لا شاهد ولا ورقة مكتوبة بينكما، وشهادة الله عز وجل واطلاعه على السر والعلن ليست في حسبانه لا من قريب ولا بعيد! وربما أرغى وأزبد، وهدّد وتوعد مع أنه هو من عليه الحق، ولكن باللحن ورفع الصوت يقلب الموازين في قبة العدل وعلى طاولة القضاء، «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، فلعلّ بعضَكم أن يكونَ ألحنَ بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ (منه شيئا)، فإنما أقطع له قطعة من النار»، وجراء تبدل قيمنا وتغير أحوالنا وضعف الوازع الديني لدينا ونسياننا أمر الآخرة، يوم التغابن، يوم الحساب، كثت القضايا وتنوعت المحاكم وتعددت المحاضر والسجلات التي تدون وتقيد قول هذا وذاك، ولذا كان لزاماً على كل منا أخذ الحيطة والحذر حين إبرام العقود والتعامل المالي، حتى لا يضطر بعد ذلك لطرق أبواب المحاكم وطلب الاستشارات القانونية من المحامين والمختصين، وقد لا تجدي كل السبل والوسائل لاسترداد ولو شيء قليل من فٌقد. حفظ الله الحقوق، دمتم بود، والسلام.