الهادي التليلي
عندما تغادر الطيور المبدعة أعشاش الحياة يولد ألم ما بعده ألم لأن هؤلاء لا يعوضون هم عملة نادرة لا تستبدل ولا تتناسخ إنهم فئة يحرق الفؤاد لفراقهم، حتى وإن كانت المسافات قد باعدت بيننا فأمل اللقاء ذات يوم كان وارداً، وجمال الحشيشة المثقف ابن مدينة صفاقس وأحد أبرز الفاعلين في مشهد الثقافة في تونس في أصعب أزمنتها وأحد أول المبادرين بغرس ثقافة الترفيه في تونس، وكان أول من أدخل عديد الفنانين المعروفين بخطهم الإبداعي سواء فنيا أو التزاما هو جمال الحشيشة مقارع الصعاب في صمته الهادئ كان يراهن على مارسال خليفة حينما كان لا يسمع به أحد في تونس، كان يريد الفرح الشبابي خارج دائرة التزمت والتطرف فكان أول من أدخل للمشهد المهرجاني التونسي فنان الراي الجزائري الشاب خالد والقائمة أوسع من الحصر.
كان من المؤسسين لثقافة المعارض التجارية وكان من المؤسسين لعدد من الفرق المسرحية ومن أشد الغيورين على هذا القطاع وكم من مهام في هذه الفرق التي كان يعزف الجميع عنها بينما هو كان يضحي بكل ما يملك من فكر وحب لهذا الفن.
جمال الحشيشة كان طائرا سبب لي ولكل من يحبه حرقة الوداع، جمال الذي رحل ولم نشرب قهوة بعد سنوات رحل الرجل، الصمت رافق جنازته ولم يسعفني بمعرفة خبر رحيله سوى صورته على صفحة ابنه نزار في المنصة الفايسبوكية تعلمت منه الكثير وأنا أجادله وأناقش آراءه متعة الحديث مع المثقف جمال الحشيشة في أحد المقاهي البسيطة جدا حول الفن أو الثقافة ومواقفه الجريئة من التطرف والمتطرفين عناوين كبيرة لجلساتنا نتحاور دائما ويناقشني في ما كنت أنشر هناك من مقالات وكانت قسوته على ما أكتبه وهو يناقشني جعلت منه حاضراً في أحيان كثيرة بغيابه حتى وأنا أكتب مقالاتي.
جمال كائن مختلف جدا نسيته الأضواء البائسة لأنه أكبر منها تعرض لكثير من المضايقات نتيجة أفكاره أيام شبابه وظل مختلفا حتى مع رفاق دربه الذين تحالفوا مع أحزاب ذات طابع متشدد.
جمال الحشيشة صديقي الذي تعلمت منه الكثير الكثير وكنا نلتقي أحيانا بشكل يومي أنا وهو والرياض الحاج طيب غيابه أفقد صفاقس نكهة لم يرها الآخرون فعلى روحك السلام أيها الفارس الذي أفخر بأن تعلمت منك الكثير إنسانيا وثقافيا ولم تسمح لي المسافة بأن أحضر جنازتك ولكن أنت هنا أحاورك وأتعلم منك حتى وأنت قد غادرتنا.