د. أحمد محمد الألمعي
يمر الكثير منا خلال الموجات المتعددة لفيروس الكورونا التي اجتاحت العالم بتغييرات نفسية مختلفة. وتختلف ردود الفعل النفسية حسب خلفية الفرد والثقافة وعوامل اخرى كثيرة، فالبعض يتحلى بالمرونة النفسية والقدرة على تجاوز الضغط النفسي والأزمات، والبعض الآخر يفتقد لهذه القدرات التي تعتمد على عوامل جينية وراثية، تجارب الحياة، الاستعاد الفطري للفرد والبيئة من حوله التي قد توفر الدعم النفسي او تشكل أثرا عكسيا مدمرا.
وتختلف استجابة الأشخاص وردود أفعالهم العاطفية خلال الجائحات تبعا لعوامل متعددة منها العمر، الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسمات الشخصية للفرد ويتضح ذلك من خلال اظهار المشاعر والأحاسيس مثل القلق والغضب مقابل الهدوء، الالتزام بالقواعد والتعليمات مثل الحظر وتعليمات النظافة ويرتبط ذلك بنظرية السمات الشخصية التي تحدد الاختلافات الفردية فيما نشعر به، ما نفكر فيه، ما نريد، ما نحتاج أو ما نود أن نفعل وهذا يحتاج أيضا إلى المرونة في الشخصية. وهناك علاقة واضحة بين بعض السمات الشخصية والاستجابة للضغوط عن طريق إظهار المشاعر السلبية وهذه العلاقة ترتبط أيضا بشكل وثيق بالمشاكل النفسية والعاطفية وتتجلى هذه الاختلافات الفردية في فهم كيفية التباين بين الأفراد في الاستجابة . ويوجد خمس سمات للشخصية التي تحدد الاستجابة للكوارث والضغوط وهي: مدى الانفتاح على التجربة وتقبل الأفكار الجديدة، الضمير الحي مثل أن يكون الشخص مسؤولا ومنظما ومجتهدا وملتزما بالمعايير والقواعد، الانبساطية حين يقوم الشخص بتجديد طاقته من وجود أشخاص آخرين معه، التوافق وهي سمة اجتماعية ايجابية تتميز بالتعاطف والاهتمام بالآخرين ومساعدة المحتاجين منهم، والعصابية وهي الميل نحو القلق والمشاعر السلبية والعاطفية.
ودلت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم سمة الشخصية العصابية أكثر استعدادا من غيرهم للانزعاج والغضب وقد يعانون من التقلبات العاطفية ودرجة عالية في العاطفة السلبية مقارنة مع غيرهم وغالبا ما يشعرون بالقلق والكآبة. ولهذا قد يشعر الأشخاص العصابيون بأنهم محاصرون بسبب هذا النمط من التفكير وعدم قدرتهم على التكيف مع التغيير في أسلوب الحياة المعتاد ولذلك فإنهم يميلون أكثر من غيرهم إلى تفسير الأحاسيس الجسدية على أنها مؤشرات على مرض خطير. وأظهرت دراسات أنه كلما زادت مستويات العواطف السلبية، ازداد مستوى الضيق عند هؤلاء الأشخاص، وبالتالي قد يكونون أقل رضا عن العناية الطبية التي يتلقونها من اطبائهم خاصة في المراحل الأولى من الجائحات. وقد يكون ذلك أحد أسباب اللجوء الى طلب رأي طبيب آخر اضافة إلى ازدواجية الوصفات الطبية.
وقد لوحظ أن الأشخاص ذوي الانفعالات السلبية العاطفية يحملون أيضا سمات القلق وسلوكيات تجنب الضرر المبالغ فيها. فالأشخاص القلقون ينظرون إلى العالم المحيط بهم على انه يهدد وجودهم، كما أنهم غالبا ما يعانون من خوف مفرط ويرتبط ذلك أيضا باضطرابات القلق مثل القلق العام، الرهاب، العصاب القهري الوسواسي، القلق على الصحة والاضطرابات الجسدية. ولوحظ أيضا صلة بين سمات القلق والقلق المرتبط بالأوبئة والجائحات. اضافة لذلك، قد يظهر الأشخاص ذوو الانفعالات السلبية العاطفية مبالغة في تقدير التهديد مثل المبالغة في تقدير العواقب، واحتمال الضرر. كما أنهم يرون أنفسهم عرضة للتهديد أكثر من غيرهم. ولهذا السبب فإن الكثير من هؤلاء الأشخاص قد يبالغون ويضخمون في الأحداث كما يرون الأشياء الصغيرة في حياتهم تتحول إلى أشياء كبيرة ومقلقة ومهددة لواقعهم ومحيطهم وهذا بدوره ينعكس سلبيا على تفاعلهم مع المحيط. ودلت الأبحاث على وجود ارتباط وثيق بين اضطرابات المزاج، القلق العام، الكآبة واضطراب الوسواس القهري وغيرها من المشاكل الجسدية الأخرى.
تكون للمواقف الغامضة وغير المؤكدة مثل التعامل مع خطر انتشار الأوبئة تداعيات نفسية واضحة وعديدة وغالبا ما يساهم عدم اليقين في ردود فعل عاطفية سلبية عندما يكون هناك تهديد لصحة الإنسان. اضافة لذلك، يخلط الناس بين التهديد الذي يمثله الفيروس أو المرض في زمن الجائحة وعدم امكانية الوثوق في مصادر المعلومات التي تصل إليهم، فعلى سبيل المثال تقلل بعض الوكالات الصحية والمصادر الحكومية من خطر التهديد لمنع الذعر، لكنها تؤكد في نفس الوقت على أهمية الإجراءات الوقائية، وهذا بالضرورة يزيد القلق بين أولئك الذين لا يستطيعون تحمل عدم اليقين. ولوحظ أيضاً أن الحساسية وعدم اليقين تزيد من أعراض الاكتناز عند مرضى الوسواس القهري، التوتر عند مرضى سرطان البروستاتا، التوتر عند مرضى الصرع, القلق والكآبة عند مرضى التوحد، وتوهم المرض.
ترتبط الأوبئة و الجائحات بجميع أنواع الشك والوساوس، فعلى سبيل المثال يشعر بعض الناس بعدم اليقين بشأن الإصابة بالمرض، مدى خطورة العدوى، وما إذا كان هناك مصابون بين الذين من حولهم من دون معرفتهم، عدم اليقين بشأن خلو البيئة من حولهم من العدوى، عدم اليقين بشأن الطريقة المثلى للعلاج و الوقاية من العدوى, عدم اليقين بانتهاء الوباء والخوف من حدوث موجات من العدوى و الجائحات أكثر خطورة و شراسة من السابقة, اضافة إلى ما تسببه وسائل الإعلام من تشويش وتضارب قد يؤدي أيضاً لزيادة عدم اليقين حول نتائج تفشي الجائحات والعدوى. وهذا قد يؤدي إلى أن يواجه الأشخاص الذين لا يمكن لهم تحمل عدم اليقين صعوبات جمة في السيطرة على انفعالاتهم بشأن خطر العدوى حيث يشعرون أن لديهم سيطرة محدودة على تهديد العدوى وبالتالي يمكن أن تظهر مجموعة من الاستجابات النفسية السلبية إلى جانب القلق والاكتئاب والتوتر مثل الأرق، السخط، المخاوف بشأن صحة الأسرة، الحساسية تجاه المخاطر الاجتماعية، عدم الرضا عن طبيعة الحياة، الرهاب، الانعزالية، الأعراض الجسدية وضعف الأداء الاجتماعي.
التاريخ يدل على انتشار الشائعات اثناء فترة الأوبئة وتنتشر القصص الخرافية بين الناس. كما تزيد المخاوف المتعددة من الجائحات من احتمال بث الرعب والهلع بين الناس، كما يمكن لهذه الشائعات أيضا أن تنشر الكثير من المعتقدات والتي بدورها تؤثر على مدى سرعة وانتشار المرض أو اختفائه. وفي عصرنا الحديث، يمكن للناس الحصول على المعلومات من مصادر متعددة الموثوقة منها وغير الموثوقة. وتختلف مصادر المعلومات وقت الجائحات فمنها الشائعات، المصادر الإخبارية الرسمية وغير الرسمية، الشبكة العنكبوتية، وسائل الاتصال من خلال الشبكات الاجتماعية. وتختلف استجابة الأشخاص لهذه المصادر فمنها ما يؤكد مخاوف البعض وبالتالي قد ينقل هؤلاء بعد ذلك مخاوفهم غير المنطقية للآخرين.