د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لا تتوقف المقارنة بين الدين والعقل كما المقاربة بينهما حينًا، وافتعال التضاد بينهما أحايين، وقد أكد الإسلام التلاقي عبر الاستدلالات العقلية الداعية إلى التفكر بدءًا، والتدبر تاليًا، والعواقب المترتبة منتهىً، والميدان مبسوط بأبحاث مضت، وأخرى تتجدد، والهداية للعقلاء من الله وحده: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر.
** لا يضيف جديدًا حين يقارن الطرح الفلسفي والثقافي فيجد المغاربة أقوى وأعمق وأقرب إلى مخاطبة وعيه، على الرغم من أنه تتلمذ قرائيًا على المشارقة ولا يزال، وفي طليعتهم: زكي نجيب محمود، وعبدالرحمن بدوي، وحسن حنفي، وفهمي جدعان، وغيرهم، لكنه وجد عند محمد عابد الجابري، وعبدالله العروي، ومحمد أركون، وأبي يعرب المرزوقي، وسواهم ثراءً معرفيًا أكبر.
** ولعل متابعته للدكتور طه عبدالرحمن 1944 -بعد أولاء وأولئك، استوقفته، وأكدت اقتناعه بتميز المدرسة المغاربية، واعتمادها مصطلحات متفردةً، ووجد في نظرية عبدالرحمن الائتمانية بعض ضوء؛ فقد قارن بين العلم والإيمان، وقرر في مبتدئها أن كليهما يعقلان، غير أن عقل العلم ينظر في الظواهر، بينما ينظر عقل الإيمان في الآيات، والفرق بينهما هو أن الآية أصل متصل بالأفق المعنوي الأصلي، والظاهرة فرع منفصل عنه، والنظر في هذه تفكير، أما في الآيات فتفكر، ولا ريب أن التفكير وحده لا يهدي.
** الهداية قضية محورية داخل النفس، وقد يبدو مفهومها غائمًا عند غير المؤمنين الذين يلوذون بالعقل وحده إجابةً عن أسئلتهم، وفتحًا للمستغلق في أذهانهم، سواء أكان بحثًا عن الحق أم استكبارًا عليه، وبه يظل إيمان الأقوياء أهم من إيمان الضعفاء، والهداية طريق نور لا يعني التبعية، والإسلام هو التسليم بوعي وإرادة ويقين.
** قد تجيء الهداية فطريةً اختصّ بها الله سبحانه من شاء، وربما يخلقها التفكر فوق التفكير عند التأمل في الآيات كما في الظواهر، وقد يسبقها شك موصل للإقرار أو للإنكار، وحين يجيء أوان المراجعة يكتمل عقل العلم بعقل الإيمان، فينتجان ردودًا منطقيةً على استفهامات غير منطقية، كما حدث مع الدكتور مصطفى محمود 2009-1921م الذي أرقه التفتيش عن إجابة: من خلق الخالق؟ ثم أدرك تناقضه؛ فكيف يكون خالقًا ثم أطلب معرفة من خلقه «علا وتعالى».
** ومع ما سبق فلا يجوز أن نغفل وجود مدارس إلحادية تعمل تحت ظلال الفلسفة، ولديها لغة قادرة على تحويل الثابت لتجيء أهمية مقابلتها بفكر فلسفي عميق قادر على أن يزرع هدايةً إيمانيةً تعيد موضعة الأسئلة والأجوبة بصورة مختلفة عن النهج الوعظي المدافع عن الإيمان بحجية الاستسلام وقفل باب الاستفهام، مما مكّن « اللاأدرية agnosticism» ووسع دوائر انتشارها في البيئات المتدينة.
** يتكثف «إيمان العجائز» عند من رزقوا هدايةً فطريةً، ونأوا عن مهاب التغيير، لكنه يتهاوى عندما يواجه الأسئلة الوجودية الملأى بالشبهات، وما أيسر حجاج النقض، وما أصعب جدال الناقضين.
** عقل الإيمان آية.